لماذا نرتدي اللون الأسود في المناسبات الحزينة بينما الهنود يرتدون اللون الأبيض؟.. ولماذا في الأحياء الشعبية زمان يجعلون أولادهم يرتدون الجلباب الأحمر وهم مرضي بالحصبة مثلا ويغطونهم بغطاء أحمر أيضا؟.. ولماذا الأصواف كانت محرمة في الحضارة المصرية القديمة في المعابد وعلي الناس.. عرفت إجابة الأخيرة وهي أن التحريم كان سببه تقديس الحيوانات وعبادتها عند الفراعنة القدماء. مصر تغيرت كثيرا عن الماضي وأصبح التي شيرت والجينز عند الشباب هو الملبس المناسب والعملي.. وما بين ثوب الكتان الذي كان يرتديه المصري القديم والملابس الكاجوال هذه الأيام تاريخ من التقلبات تأثرت فيها الأزياء مرة بالطبيعة والطقس ومرة بسبب الأسباب الدينية وأخري بسبب أسباب استعمارية وسياسية.. ومثلما تأثر بيكاسو وجوجان بجزر تاهيتي والفنون الزنجية.. تأثرت مصر بالفراك والسموكن ولكن مازالت الجلابيب قادرة علي المنافسة أحيانا. في عصر لويس الخامس عشر بفرنسا كان الزي الرسمي يحتم علي رجال وسيدات البلاط لبس شعر مستعار مصفف بطريقة خاصة ومصبوغ بلون معين يدل علي أن لابسه بلغ سن الخمسين.. كانت وجوه صبية في أثواب الشيخوخة.. علي عكس الحضارة المصرية التي عرفت حلاقة الذقن استجابة لرغبة الذوق القومي في المحافظة علي الشباب.. ولإخفاء معالم الصلع كانت تلبس شعور مستعارة كأنها لفتية في العشرين.. إذن كانت لدينا رغبة في الحياة أكثر وحب لها وتمسك بها.. أما الآن فما الذي حدث؟!.. شباب يطلقون الذقون ويلبسون الجلابيب وقد أصبحت الحياة الآخرة هي مايعيشون فيه وينسون أن الحياة الدنيا وعمارة الأرض هي الطريق للحيوات الأخري.. مصر تأثرت باليونان والرومان وبالأتراك وبالمماليك وبالطرابيش وبالعمائم وتجاوزت كل ذلك ولكنها لم تتجاوز ثقافة اللحية والسروال والنقاب.. لماذا؟!.. لقد أوشكت أن تقع وأن تنفجر ثورة اجتماعية في الماضي لمجرد تحريم لبس الجلباب والعمامة عام1839 ومرة أخري كادت تنفجر ثورة بسبب ارتداء الطربوش حتي أن الفرنسي الشهير روبير سوليه ألف رواية بعنوان الطربوش صور فيها الحراك السياسي في مصر في بداية ومنتصف القرن العشرين وصولا الي( الكاب) وثورة يوليو ليحل محل الطربوش.. ومضي كل ذلك الي حال سبيله.. وقبل ذلك أيام شجرة الدر كان التجار يرتدون لباسا قطنيا أبيض وحول الوسط تكة وفي القدم مركوب وهو حذاء من الجلد الأصفر تركي الأصل.. وكان الزي الشعبي عبارة عن لباس( سروال طويل) وقميص أزرق يسمي الزعبوط وفوقه عباءة.. الآن تغيرت الدنيا وتغير كل شيء.. طبعا لم تتغير أزياء القساوسة وعمائمهم وكذلك الأزاهرة والجبة والقفطان ولكن هذه أزياء فئوية مثل أزياء الشرطيين والعساكر.. ولكن عموم الشعب ماهو الزي المميز له هذه الأيام؟.. أزياء دينية شعبية مثل الإسدال أو العباءة الايرانية أو الأفغانية أو الجلباب الخليجي أو في المقابل الملابس الغربية القصيرة والضيقة لقطاع من أثرياء المجتمع يتميز بالانفتاح علي ثقافات العالم وبالجرأة ويعيش في( جيتو) كأنه يعيش حياة موازية في المنتجعات السكانية.. واضح ان الأسباب الاقتصادية والهجرة لبلدان النفط هي التي أتت بالأزياء الخليجية والصحراوية الي مصر.. وواضح ان غياب ثقافة بديلة عندنا في الداخل هو السبب الأهم.. الأزياء هوية وإعلان قوي عن توجهات الشعوب في مراحل معينة من تاريخها.. وابن خلدون يقول.. المغلوب مولع بتقليد الغالب.. وكما تقول المواويل الشعبية المصرية.. ولا كل من شرب القهاوي قهوجي.. ولا كل من لف العمامة زانها.. ولا كل من ركب الفرس خيالها.. ولا العياجة غبية.. العياجه عارفه رجالها. [email protected]