نيجيريا تعاني منذ نحو عقد من ظاهرة التعصب الطائفي في ظل حالة من عدم الاستقرار بسبب غياب الرئيس المنتمي لإثنية الهوسا المسلمة عمر يارادوا 58 سنة لأسباب صحية. والذي رفض تحويل صلاحياته إلي نائبه الجنوبي المسيحي جودلاك جوناثان، وأخيرا وبناء علي تحرك حقوقي نيجيري صدر حكم لصالح نائب الرئيس للقيام بمهام الرئاسة والتي كانت أولاها كلمة إذاعية خفف فيها من حظر التجوال في وسط البلاد للسماح بترتيب جنازات لدفن القتلي. وفي تطور سريع لما حدث في مدينة جوس وسط نيجيريا من فتنة طائفية طالب مجلس الشيوخ النيجيري بتحري وضع الرئيس الصحي في الوقت الذي أعرب فيه أعضاء البرلمان ومجلس الوزراء عن مساندتهم للرئيس القادر من وجهة نظرهم ولأسباب ذات خلفية طائفية علي القيام بمهامه, علي الرغم من وجوده منذ شهرين في أحد مستشفيات المملكة العربية السعودية للعلاج من مضاعفات أمراض تتعلق بالقلب والكلي جاء بها إلي السلطة منذ انتخابه في2007, وقال نائب الرئيس إن الوضع تحت السيطرة وأن المسئولين عن أعمال العنف سيقدمون للعدالة وخاصة بعد تدخل الجيش بناء علي قرار نائب الرئيس بإرسال قوات عسكرية للمناطق المشتعلة لإحكام السيطرة علي البلاد. وكانت نيجيريا قد شهدت في2001 و2004 و2008 أجواء شد وجذب طائفية ذات صبغة طبقية وقبلية حيث ينتمي مسلمو نيجيريا ومسيحيوها إلي قبائل ومناطق سيطرة مختلفة مما زاد في ارتفاع درجة حرارة الخلاف الذي أسهمت فيه أيضا حملات تبشيرية لكنائس غربية لمساعدة الفقراء والمرضي في المناطق البعيدة عن سيطرة الحكومة. وفي مقابل ذلك انغمس المسلمون في الدفاع عن هويتهم مما ساهم في تغذية تيارات سلفية وافدة دعت لحمل السلاح للسيطرة علي البلاد المقسمة بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين ويبلغ تعداد سكانها أكثر من150 مليون نسمة منهم أكثر من78 مليون مسلم, لتعد سادس أكبر دولة إسلامية من حيث الكثافة السكانية. ويري مسلمو نيجيريا أن السلطة حق أصيل لهم بينما يري البعض علي الجانب الآخر أن نيجيريا أكبر من أن تحكمها اثنية واحدة داعين لتقسيمها بين شمال وجنوب اقتداء بالسودان. وكانت فتنة طائفية عنيفة قد اشتعلت مؤخرا في جوس المقسمة إلي مناطق مسيحية ومسلمة مختلفة من حيث الانتماء الحزبي حيث الصراع علي أشده لفرض السيطرة علي جوس عاصمة ولاية بلاتو التي تقع في منطقة الحزام الأوسط في نيجيريا بين الشمال ذي الأغلبية المسلمة الفقيرة والجنوب الغني ذي الأغلبية المسيحية وبعض أتباع الديانات التقليدية الأفريقية. وقد خلفت أحداث العنف وراءها مئات القتلي وآلاف الجرحي غالبيتهم من المسلمين أطفالا ونساء وشيوخا وشبابا. ولعدة أيام لم يستطع رجال الإعلام دخول القري المسيحية التي استغل سكانها عظام ضحاياهم في تجسيد علامة خطر الموت علي الطرق المؤدية إليها لتحذير الغرباء من الاقتراب. وبلغ عدد النازحين طبقا لتقارير الصليب الأحمر النيجيري نحو17 ألفا عاد بعضهم إلي منازلهم بينما قرر آخرون الهروب من المدينة كلها. في الوقت الذي دعا فيه إمام المسجد المركزي في جوس بالارابي داود إلي عدم الثأر لعمليات القتل التي يتردد أنها جاءت بعد تبادل رسائل نصية تحذر المسيحيين من شراء الطعام من التجار المسلمين لقيامهم بتسميمه بينما دعت رسائل أخري المسلمين لقتل المسيحيين قبل أن يذبحوهم كما ترددت شائعات أن العنف بدأ عقب انتخابات محلية, وقال آخرون إنها جاءت بعد مباراة لكرة القدم بينما يؤكد البعض أنها اندلعت بعد خلاف حول إعادة بناء منازل دمرت في صدامات سابقة. ولا يستبعد البعض أن الصدامات الطائفية الدموية لا تعود فقط للحساسية الدينية, وإنما تعود لانتشار الفساد والفقر ونقص الموارد وغياب الدولة فضلا عن النزاعات القبلية التي سارت علي نهج فرق تسد الذي زرعه الاستعمار البريطاني قبل استقلال البلاد في1963. واللافت للنظر خروج سياسيين غربيين للتعليق علي أحداث نيجيريا الأخيرة والتحذير بشأن التهاون في معالجتها. وينبع قلق الغرب مما يحدث في نيجيريا من انتشار الجماعات الأصولية المتشددة مثل بوكو حرام التي تري التعليم الأجنبي حراما أو كالا كاتو التي تستند لرأي بسطاء الناس وهي التيارات التي دفعت بالنيجيري المنتمي لأسرة ثرية عمر الفاروق عبد المطلب للسعي لتفجير طائرة دترويت عشية عيد الميلاد في ديسمبر الماضي. ولعل ذلك كان سببا في ارتفاع نبرة القلق الأمريكية باعتبار نيجيريا أهم شريك استراتيجي لها في افريقيا وأحد أكبر موردي النفط إليها وقد حذرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون من انتشار الفقر والفساد والتعصب الطائفي في نيجيريا خاصة في ظل الحدود المفتوحة مع النيجر ومالي ودول الساحل الإفريقي, حيث تتمركز في صحاريها جماعات منتمية للقاعدة تعمل علي تجنيد الشباب الإفريقي. ويظل سيناريو القلق قائما حيث تواجه نيجيريا شبح التقسيم بين جنوب غني وشمال فقير يعيشان في حالة من الغليان الداخلي فضلا عن أزمتين إحداهما أمنية والأخري دستورية مما قد ينذر بتدخل الجيش في حالة الانفلات الكامل متخذا من الفوضي فزاعة لإخراس المعارضين المطالبين بفطام نيجيريا من الانقلابات العسكرية المتكررة التي شهدتها منذ استقلالها وربما تتصاعد الأمور ليتخذ الغرب مما يحدث ذريعة للتدخل ولكن بعد فوات الأوان.