هناك مقولة سائدة تقول إن لكل انسان نصيبا من اسمه, ولكن هل بالضرورة أن تنطبق هذه المقولة علي الرئيس النيجيري الجديد جودلاك جوناثان. والذي تولي مهام البلاد بعد وفاة الرئيس عمر يارادوا(58 عاما) بعد صراع طويل مع مرضي الكلي والقلب مما غيبه عن البلاد لعدة أشهر للعلاج بالمملكة السعودية, قام خلالها نائبه جودلاك بممارسة مهام رئيس الجمهورية لحين عودته, التي سرعان ما أعقبها وفاته متأثرا بصراعه مع المرض. يري البعض أن جودلاك الذي ينتمي إلي الجنوب الغني اسم علي مسمي, فهو سعيد الحظ فعلا منذ أن تم انتخابه نائبا للرئيس يارادوا أول مسلم يتولي الحكم بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية وحتي أداءه اليمين الدستورية في السادس من مايو الحالي ليصبح خامس رئيس مدني يتولي رئاسة البلاد. جودلاك الذي ينحدر من عرقية' إيجاو' الكاثوليكية التي تمثل نحو10% من السكان ولد في منطقة' أوتيكي' في ولاية' بايلسا' عام1957 لعائلة متواضعة تحترف بناء الزوارق الخشبية الصغيرة. وهناك تلقي تعليمه الابتدائي حتي الجامعي, ثم تابع دراسة الدكتوراه في علم الأحياء بجامعة' بورت هاركورت' الحكومية المحلية وعمل مفتشا في التعليم ثم محاضرا جامعيا وموظفا في وكالة حكومية للبيئة وذلك قبل أن يدخل معترك السياسة متأخرا في عام1998. حيث يشير المراقبون إلي أن مسيرته السياسية تأثرت بتوازنات عرقية وإقليمية ودينية. ولكن هل يستطيع جودلاك- الذي أكد أن الحفاظ علي السلام في دلتا النيجر من أهم أولوياته- أن يستغل قدراته ومهاراته السياسية ليعبر بنيجيريا إلي بر الأمان ؟ يعتقد البعض أن جودلاك من القادرين علي إدارة الملفات التي تشكل تحديا لنيجيريا وتهدد استقرارها في الوقت الحالي. فقد كان عمليا الرئيس الفعلي للبلاد طوال الأشهر الأخيرة عندما كان يارادوا طريح فراش المرض في أحد مستشفيات المملكة العربية السعودية, في تلك الفترة أدي جودلاك مهام منصبه دون ضجيج, وبدعم الغالبية من أعضاء البرلمان الذين سعوا لإصدار قرار رسمي بإسناد مهام رئيس الجمهورية لجودلاك. ولم يظهر جودلاك صرامة في قراراته ولم يثر في الوقت ذاته إعجابا كبيرا لدي الكثيرين متحاشيا في الوقت نفسه الخوض في القضايا الحساسة والتي كان علي رأسه موضوعات تتعلق بفتنة طائفية ألمت بالبلاد قبل عدة أشهر, كما أن جودلاك لم يتلطخ بقضايا الفساد ولم يبد حريصا علي السلطة أو شديد التعطش لإحكام قبضته عليها. أما الآن وبعد أن أصبح الرئيس الفعلي للبلاد فيتعين عليه معالجة كل القضايا التي لم يترك المرض ليارادوا فرصة المضي في حلها. وأولاها قضية التمرد المسلح في دلتا النيجر والتي تهدد بشكل كبير الإنتاج البترولي في أكبر بلد نفطي إفريقي حيث تعطلت المفاوضات فيها مباشرة بعد مرض الرئيس السابق, خاصة بعد أن تجددت الهجمات علي المنشآت النفطية التي تشكل مصدر الدخل الاكبر في نيجيريا. كما تسببت أحداث العنف في الدلتا في خفض انتاج النفط بمليون برميل يوميا في دولة عضو بمنظمة الدول المصدرة للنفط( أوبك), فضلا عن قضية العنف الطائفي التي تظهر بين الحين والآخر بين المسلمين والمسيحيين وتتسبب في إشعالها تيارات سلفية ومتشددة علي الجانبين., فضلا عن أصحاب مصالح سياسية تتخذ من الدين فزاعة وفرصة لإيقاظ صراعات قديمة تتسم في غالبيتها بالقبلية. وهناك أيضا الكثير من الملفات الأخري التي تنتظر تحركات حاسمة من جودلاك, مثل الإصلاح الاقتصادي وإرساء دولة القانون وتطوير الخدمات العامة وتوسيع وتحديث البنية التحتية لبلد يقرب عدد سكانا نحو140 مليون نسمة. وبالفعل كانت أولي خطوات الرئيس الجديد مبشرة بالخير بمحاولته التخلص من عدد من كبار المسئولين في حكومته ممن تحوم حولهم شبهات الفساد والرشوة, ولم يكتف بذلك بل قام بإستدعاء إثنين من كبار المنتقدين لحكومة يارادوا سلفه الراحل وهما نورو روبادو الرئيس التنفيذي السابق للجنة مكافحة الفساد وناصر الرفاعي في انتظار أن يقلدهما مناصب رفيعة, ولكن تعقبه' الجرئ' للفساد والمفسدين قد يفسر بشكل أخر, إذ قد لا يعدو أن يكون غطاء للتخلص من المناوئين ووضع الموالين محلهم كما يلمح بعض المراقبين للشأن النيجيري. أما بالنسبة لاختياره نامادي سامبو حاكم ولاية كادونا الشمالية ليصبح نائبا له, فقد أثار ذلك شكوك الكثيرين الذين رأوا أن إختيار شخص' غير معروف نسبيا علي الساحة السياسية' خطوة' مراوغة' من جانب شخص' محنك', حيث أنه في ظل خبرة سامبو المتواضعة في السياسة لا يعتبر منافسا واضحا في الانتخابات الرئاسية التي ستجري العام المقبل, وهو ما يعني أن تعيينه قد يفسح المجال أمام جودلاك نفسه للترشح للرئاسة مرة أخري. وهنا يكون التساؤل: أي زورق يحتاجه صانع الزوارق الخشبية القديم للعبور بنيجيريا, التي تحتل المرتبة الثالثة عشر عالميا بين الدول المصدرة للنفط, من مغبة الأزمات ومراحل الامتحان التاريخي العسير؟