إذا كان انتحار محمد البوعزيزي يأسا من النظام التونسي قد فجر الثورة في تونس, فإن قتل صالح محمد مسعود برصاص عبدالسلام القذافي في البيضا, حين خرج مع رفاقه الثلاثة للوقوف في وسط المدينة, معلنين اعتراضهم, هاتفين:( يسقط الطاغية) يوم الأربعاء16 فبراير, هو الذي أشعل ثورة17 فبراير في ليبيا, بعكس ما انتشر في وسائل الإعلام العربية والدولية عن انطلاق الثورة من بنغازي في17 فبراير, ولا ينقص من قدر بنغازي وثوارها الذين بدأوا في التظاهر17 فبراير احتجاجا علي اعتقال محام ليبي, لأنه تجرأ وتحدث في إحدي القنوات الفضائية عن سوء المعيشة والغلاء والقهر. وهكذا لم تكن مفاجأة لي أن أعرف أن شرارة الثورة بدأت من مدينة البيضاء علي يد أربعة من الشباب خرجوا معلنين رفضهم لحكم العقيد الدموي يوم16 فبراير قبل أن تشتعل في بنغازي, وإن لم تكن مفاجأة أن يرفض ضابط برتبة مقدم في الأمن أوامر قادته والنقيب عبدالسلام القذافي الذي جاء ب900 جندي من كتيبة خميس 300 من المرتزقة الأفارقة لقتل المتظاهرين. ولم تتوقف مشاركة المقدم عادل فرج الدرفيلي في عدم إطاعة الأمر, ولكنه سلم مخازن السلاح للمتظاهرين الذين بدأت بهم الثورة الليبية.. التقيته في البيضاء بعد محاولات لمطاردته لعدم استقراره في مكان واحد لقيامه بالتحرك بين مدن الثورة ومتابعة وتنظيم مع آخرين قوافل الإغاثة من مصر. سألته: هل صحيح أن الشرارة بدأت من البيضاء؟.. وكيف؟ المقدم عادل خريج الدفعة(17) من كلية الشرطة بطرابلس عام1992, والحاصل علي وسام العمل الممتاز ووسام الأداء المتميز, وهو الابن الأصغر لمؤسس الكلية العسكرية الملكية قبل ثورة1969 اللواء فرج علي الدرفيلي.. قال ل الأهرام: نعم.. لقد بدأت الثورة من البيضا يوم الأربعاء16 فبراير عندما خرج4 شبان للتظاهر وحدهم ضد حكم القذافي, وبدأت الناس تتجمع حولهم في مسيرتهم حتي وصلوا إلي1500 شاب عند المحكمة ليواصلوا سيرهم حتي ميدان المصرف التجاري, وقد تضاعفت أعدادهم حتي بلغت5 آلاف متظاهر. ألم يكن لديكم علم بهم؟ تم إبلاغنا بأن هناك بعض الشباب السكاري في مسيرة وأمرنا بتفريقها.. ولكن الذي حدث أن الشاب صالح حمد مسعود اليمني أحرق صورة لمعمر القذافي.. فقذفته قوي الأمن بالرصاص لترديه قتيلا, فأحرق المتظاهرون سيارة للشرطة, كما قتل خالد الناجي خنفر أيضا عند محاولته إغلاق محله التجاري الكائن قبالة إدارة الأمن الداخلي( أمن الدولة) بعد أن شاهد المظاهرات تتجه إليها. وماذا حدث بعد ذلك؟ في اليوم التالي الخميس17 فبراير, كنا نعلم أن هناك تظاهرات ستخرج عند تشييع جثمان خالد وصالح وتم استدعاء قوات من كتيبة خميس( القذافي) وألبسناهم زي قوات الدعم( الأمن المركزي) وكانت تعليمات مدير أمن البيضا العميد حسن إبراهيم القرضاوي الصريحة بحماية المظاهرة وعدم الدخول في مواجهة مع المتظاهرين وعدم حمل السلاح.. هذه التعليمات كانت ليلة الخميس, مما دعا كتبة التقارير من فرع الأمن الداخلي إلي إرسال تقرير فيه فتمت إقالته في الواحدة صباح الخميس متهما بالخيانة وعينوا بدلا منه عقيد( جيش) فرج البرعص برغم وجود ضابط برتبة عقيد في المديرية, ولكن لأنه كان محبوسا بتهمة محاولة قلب نظام الحكم, ذلك لأنهم يعرفون أنه سينفذ الأوامر بإطلاق الرصاص الحي, وهو ما حدث وقام باستدعاء005 جندي و074 من فرقة مكافحة الشغب, وقال لنا: إذا جاء المتظاهرون أطلقوا النيران عليهم وسأكون أولكم. وهكذا تأكدت من ذلك ومن حضور نقيب عبدالسلام القذافي يوم الخميس ومعه600 جندي من كتيبة خميس و68 من المرتزقة الأفارقة, وقد علم أن المتظاهرين سيتوجهون إلي إدارة الأمن الداخلي, وكان كل جندي من هؤلاء يحمل بندقية كلاشينكوف لم نرها نحن الضباط من قبل طولها120 سم, وعدد الرصاص بخزينتها70 طلقة. وقال عبدالسلام القذافي لنا: أمامكم ساعتان فقط, إما أن تفرقوهم وإما نقتلهم كلهم, فرفضنا هذا الكلام وحدثت مشاحنات لفظية بيني وبينه وكان معي عميدان و15عقيدا و4 برتبة المقدم, ولسوء حظ النظام كانت هناك مباراة بين فريقي المريخ السوداني والأخضر الليبي في كرة القدم, وسمع المتفرجون أصوات المظاهرات فخرجوا للانضمام إليها, وتعالت الهتافات يسقط الطاغية. وتعاملت قوات كتيبة خميس مع المتظاهرين العزل بالرصاص واستمرت المعركة من الثانية وعشر دقائق ظهرا وحتي الثامنة وخمسين دقيقة ليلا, مما أسفر عن سقوط14 شهيدا. أين كنت أنت؟ كنت في إدارة الأمن وجاءني ناس من المتظاهرين وسلموا لي190 بندقية رصاص مطاطي استولوا عليها من رجال الشرطة الذين تركوا المعركة وهربوا.. واحتد علينا عبدالسلام القذافي آمرا بضرورة قتلهم, فانضممت إلي الثوار بعد أن اتهمنا بالخيانة فطاردنا قواته مع المتظاهرين لمسافة41 كيلومترا وهم يضربون علينا بالرصاص الحي فسقط4 شهداء من سكان المزارع بعد إطلاق كتيبة خميس الرصاص في عشوائية وفزع في أثناء هروبهم, إلي أن تحصنوا في مقر كتيبة الجيش في شحات. ومن أين أتيت بالسلاح؟ كان لدي علم بوجود أكثر من ألفي بندقية كلاشينكوف في مخزن سلاح المديرية, فاصطحبت معي بعض المتظاهرين إليه وساعدتهم علي كسر بابه ووجدنا أكثر من2400 بندقية ومسدسات وذخيرة كثيرة وأنواعا أخري من الأسلحة واتجهنا إلي معسكر شحات ومعنا عدد من المساجين الذين أطلقتهم الشرطة القضائية ومنهم محكوم عليه بسبع سنوات وبدأنا الهجوم علي شحات عند أذان العصر, وبعد مناوشات بالرصاص سقط4 شهداء آخرين منهم طفلة عمرها7 سنوات كانت في بلكونة شقتها.