الأموال القلقة لا تبني اقتصادا, ولا تحقق تنمية, لأنها لا تعرف الاستقرار وليس من أهدافها تحقيقه. ويطلق عليها خبراء المال والاقتصاد اسم الأموال الساخنة لأنها تنتقل من نشاط إلي آخر ودولة إلي أخري في آجال قصيرة, مما يؤثر علي المتغيرات الاقتصادية, ويعقد مهمة الحكومات في تحقيق خطط وبرامج التنمية.. وعندما تكون هذه الأموال أجنبية, فإن عدم وجود تشريعات لتقنين عملها يدخلها في منافسة غير متكافئة مع المستثمرين المحليين, والأجانب الجادين, فتحقق أرباحا خيالية في أزمنة قياسية, دون أن تشارك في أي استثمار مفيد, أو تنمية حقيقية. في سوق المال المصرية, شهدت الفترة الأخيرة ارتفاعا في طرح أذون وسندات الخزانة التي تطرحها وزارة المالية لتمويل عجز الموازنة أو للانتهاء من تنفيذ عدد من المشروعات الكبري, ومنذ أن عرفت الأموال الساخنة طريقها للسوق المصرية للاستفادة من صعودها, استطاعت جني الأرباح الطارئة وفي فترات قصيرة وخرج معظمها بعد أن تسببت في خسائر كبيرة لبعض المتعاملين في البورصة خاصة صغار المضاربين. ويعرف الدكتور أيمن متولي رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للتمويل والاستثمار الأموال الساخنة بأنها أموال فائضة عن حاجة المستثمرين في أسواق خارجية تمكنهم من المضاربة في بورصات الدول النامية الاقتصادات الناشئة بهدف جني أرباح سريعة. وهذه الأموال تدخل للاستثمار في الأذون, والسندات ذات العائد المرتفع لتحقق أرباحا كبيرة, ثم تخرج من السوق بمجرد حدوث أي هزة اقتصادية بعد أن تكون قد قامت بتسييل ممتلكاتها. والأمر المستغرب هو اتجاه الاستثمارات الأجنبية للاكتتاب في أذون وسندات الخزانة, وجاء استحواذ الأجانب علي90% من عمليات اكتتاب في أذون بقيمة3,5 مليار دولار وفشل البنوك المحلية في منافستها في منتصف العام الماضي, لينبه البنك المركزي ووزارة المالية لبحث إعادة هيكلة الدين العام المحلي للحد من مضاربات الأجانب. ويشير رئيس جمعية التمويل والاستثمار إلي أن أحد أهم مميزات هذه الأموال هو تحقيق السيولة النقدية في الأجل القصير, وزيادة حجم التعاملات المالية, أما عيوبها فيأتي علي رأسها تحقيق أرباح لمستثمرين مغامرين ومحترفين علي حساب صغار المتعاملين في سوق المال, ومعظمهم مستثمرون محليون عديمو الخبرة, كما أن حركة الأسهم التي تبدو نشطة بسبب الأموال الساخنة تعطي توجهات غير حقيقية عن السوق كما تعطي انطباعات غير حقيقية عن حجم المشروعات, والوضع الاقتصادي, مما يؤدي الي عدم وجود تفسيرات اقتصادية لحركة السوق وصعود وهبوط الأسهم. ويضيف أنه في الأزمات المالية الكبيرة تكون الانهيارات أكبر في الأسواق الناشئة ومنها مصر, مشيرا إلي أن الأموال الساخنة ليست هدفا في حد ذاتها, لأنها باختصار لا تحقق تنمية. وتتعاظم الأزمات التي تسببها الأموال الساخنة عندما تدخل لشراء شركات ضمن برنامج الخصخصة, حيث يضع أصحابها نصب أعينهم ما تمتلكه الشركات المبيعة من أراض وعقارات, ورغم أن الهدف المعلن هو إصلاحها وإعادة هيكلتها وتشغيلها, فإنه في الحقيقة يجري تفريغها من أصولها وبيعها والحصول علي أرباح خيالية. عبد الرحمن سامي خبير بإحدي شركات السمسرة يقول إن أهمية هذه الأموال تنبع من قدرتها الفائقة علي التحرك من نشاط إلي آخر, ومن سوق إلي أخري بشكل يؤثر علي الوضع الاقتصادي للدولة مباشرة. ويؤكد أن وجودها إيجابي بالنسبة لتحقيق التوازن الاقتصادي العام, لأنها تحسن في الأرقام الاقتصادية, وتخلق احتياطيا للعملات الصعبة, رغم أنها لا تهم في الإنتاج ولا توفر فرص عمل, ومشكلتها تأتي عندما تشعر بالخطر علي مصالحها لأنها تنسحب فورا من الأسواق, وهو ما يؤدي الي ازمات اقتصادية, بعد أن تتسبب في حدوث انهيارات مفاجئة في أسعار الأوراق المالية. ويضيف: إن بعض الاستثمارات الأجنبية الجادة, جاءت إلي مصر إلا أنها بسبب بعض العوائق الإدارية والفنية خرجت سريعا وهو ما يؤكد خروج3 مليارات دولار في عام2006, ومليارين في عام2007 ثم4,7 مليار عام2009, وهي ظاهرة تشير إلي ضرورة دراسة أسباب خروج هذه الأموال, ويضيف أنه وفقا لبيانات وزارة المالية, فإن صافي الحيازات الأجنبية من أذون الخزانة, يقفز بمعدلات متسارعة, وهو ما يشكل خطورة علي الاقتصاد المحلي. ويطالب الدكتور عبد الستار سلمي وكيل كلية الحقوق بجامعة الزقازيق وأستاذ المالية العامة, بخفض أسعار الفائدة لوقف ألاعيب الأموال الساخنة في الأذون والسندات, خاصة في الأسواق الناشئة ومنها مصر, التي أصبحت هدفا لتحركات جادة من قبل هذه الأموال خلال العام الماضي, بسبب ضعف مؤشرات الاقتصاد الأمريكي في أعقاب الأزمة المالية العالمية, مشيرا إلي أنه من الصعب تحديد حجم هذه الأموال, خاصة أن النظام المالي العالمي يحتاج إلي ضوابط جديدة تخفف من الآثار السلبية لحركة هذه الأموال في الأسواق, كما يطالب بمراقبة حركتها في أسواق المال والبورصات والبنوك, وبالنسبة للسوق المصري يري د. سلمي أنه يحتاج إلي تنظيمات وإجراءات مالية وحكومية مثل دخول الشركات القابضة لشراء الأسهم في البورصة, وإخضاع الشركات المالية لقواعد الحوكمة لتحقيق الشفافية والتدخل التشريعي لحسم حركة انتقال الأموال وإخضاعها لرقابة مؤسسة مالية رقابية علي أن تلتزم البورصة نفسها بهذه القواعد. وأضاف الدكتور سلمي أنه لابد من وضع ضوابط لإحكام السيطرة علي المضاربات المعروفة بتداول اللحظة حيث يقوم المضاربون المحترفون باختيار ورقة مالية منخفضة السعر لشرائها بكميات كبيرة, ثم بيعها فورا لتنخفض مرة أخري, مشيرا إلي أن مثل هؤلاء معروفون في السوق ويعملون من خلال السماسرة, وأصبح من الضروري تعريف صغار المضاربين بهم حتي لا تتعرض أموالهم للضياع في عمليات نصب لا يعاقب عليها القانون. وهو ما يشير إليه الدكتور أيمن متولي حيث يقوم البعض بالتعامل في البورصة بنظام القطيع من حيث شراء إحدي الورقات المالية بكثافة ودفع الأسهم للصعود ثم البيع في نهاية الجلسة مما يسبب صدمة وخسارة لصغار المستثمرين. ويؤكد وجود فراغ تشريعي, يؤدي إلي وجود هذه الأموال في البورصة حيث لم يرد نص ملزم يحدد وقت لدخول هذه الأموال وخروجها, أو الكميات المتداولة منها في فترات محددة, كما حذر من آثارها السلبية المضاعفة حيث تؤدي لانخفاض كفاءة السوق باعتباره بؤرة لتصريف أموال معدومة, مطالبا بحث المؤسسات المالية الكبري علي التواجد في سوق المال, وزيادة دعم البنوك التجارية والعامة لأنشطة البورصة من خلال الاستثمار فيها للحد من سلبيات الأموال الساخنة.