أن يتلقي مجلس الشعب طعونا في نتائج الانتخابات البرلمانية, فذلك أمر عادي, لكن أن يصل عدد الطعون التي تلقاها المجلس الجديد, وأحالها إلي محكمة النقض إلي1527 طعنا ضد486 نائبا. ليبقي22 نائبا فقط, بالإضافة إلي النواب العشرة المعينين في مأمن من الطعون, فهو أمر يثير التساؤلات. ويدعونا للتفتيش في التفاصيل! فكم من قرارات لمحكمة النقض ببطلان عضوية بعض النواب, ولم يلتزم بها مجلس الشعب, لاسيما أن بطلان العضوية يستلزم وفقا للمادة93 من الدستور موافقة ثلثي أعضاء المجلس! وقد يسأل أحدكم: ما الفائدة من إحالة الطعون إلي محكمة النقض للتحقيق فيها, وإصدار قرار بشأن صحة العضوية أو بطلانها مادام مجلس الشعب سيد قراره, ومادام الفصل في العضوية اختصاصا أصيلا له, لا ينازعه فيه أحد؟ وبشكل عام, فإن هذا الكم من الطعون يعكس في رأي الدكتورة فوزية عبدالستار رئيس اللجنة التشريعية السابق في مجلس الشعب عدم ثقة في نتائج الانتخابات.. صحيح أن بعض الطعون قد لا تكون ذات أساس قانوني, أو قد تكون مقدمة بقصد الكيد للنائب المنافس, لكنه وبكل تأكيد هناك طعون لابد أن تكون قد بنيت علي أساس من القانون أو بنيت علي قناعة من مقدمها بحدوث خلل في الانتخابات. والأمر كذلك, فإننا بحاجة إلي إعادة النظر في النظام الانتخابي تشريعيا وتنفيذيا, وقد تمنيت وقت تعديل الدستور في عامي2005 و2007 أن يلتفت المشرع الدستوري إلي المادة رقم93 من الدستور, وهي التي تضع هذا النظام الغريب للطعون الانتخابية. القول الفصل للقضاء وفي رأي الفقيه الدستوري الدكتور يحيي الجمل, فإن محكمة النقض حين تعطي قرارا وهو له قيمة أدبية كبيرة ويصدر بعد فحص وتحقيق, يجب أن يكون محل احترام, لكن المشكلة تكمن في المادة93, وقد عدلت أغلب الدساتير في العالم عن ذلك, وأوكلت اختصاص الفصل في العضوية لهيئات قضائية, مسترشدا بالدستور الفرنسي الذي تم تعديله في عام2008, وأوكل هذا الاختصاص إلي المجلس الدستوري, ولا أذكر أن أسقط مجلس الشعب عضوية أحد نواب الأغلبية خلال الفترة الأخيرة, وعلي ذلك فإن الفصل في العضوية من عدمه, يجب أن يستند إلي القضاء. إبطال العضوية.. معضلة برلمانية ليس دقيقا كما يقول المستشار رجائي عطية المحامي الشهير وعضو مجلس الشوري إن يقال إن رأي محكمة النقض استشاري, فالمحكمة تنظر في الطلب, وفي أسانيده وتحققه, ومن واقع ذلك تصدر قرارا بصحة العضوية أو بعدم صحتها أو تقرر رفض الطعن. مطلوب تعديل دستوري المستشار محمد إبراهيم خليل نائب رئيس محكمة النقض سابقا, يري أن القانون قد ألزم مجلس الشعب بإحالة الطعون المقدمة إليه إلي محكمة النقض التي تتولي التحقيق, وتنتهي إلي رأي تسطره في تقريرها, وتعيد الأوراق إلي المجلس مرة أخري, ولكن محكمة النقض ليست جهة استيفاء أوراق, لكنها محكمة لها وزنها واعتبارها في القانون, وهي جهة تحقيق نص عليها الدستور وما تنتهي إليه من رأي له قدره, ومصداقيته, واحترامه, ويجب أن ينزل عليه وعنده مجلس الشعب, فلا يناقش تقارير محكمة النقض, ولكنه ينفذها, فالمناقشة تعني أن ذلك عبث. يقول الدكتور ثروت بدوي أستاذ القانون الدستوري والإداري بكلية الحقوق جامعة القاهرة تصدر فتوي أو رأيا قانونيا استشاريا وليس ملزما من ناحية النصوص, وبالتالي فإن النصوص الحالية في الدستور المصري في هذا الشأن لا تمنح محكمة النقض سلطة قضائية في شأن الطعون الانتخابية,ولكن مجلس الدولة هو المختص بنظر جميع الطعون الانتخابية, والأمر الثاني أن الدستور تضمن نصين اختلف في تفسيرهما أو في التوفيق بينهما, كالنص الخاص باختصاص مجلس الدولة بجميع المنازعات الإدارية, ومن بينها بالطبع الطعون الانتخابية, والنص الآخر الخاص باختصاص مجلس الشعب بالنظر في صحة عضوية أعضائه.. هذان النصان في تقديري هما سبب البلبلة. وابتداء, فقد فسر مجلس الشعب اختصاصه بأنه اختصاص مانع لاختصاص مجلس الدولة في شأن صحة عضوية أعضائه, وفي سبيل تأكيد اختصاص مجلس الشعب, ذهب المجلس إلي استبعاد اختصاص مجلس الدولة بالطعون الانتخابية التي ترفع بعد إعلان نتيجة الانتخابات, وقد اتفقت مع هذا الاتجاه بعض أحكام مجلس الدولة التي اعتبرت ان قرار إعلان نتيجة الانتخابات لا يعتبر قرارا إداريا يمكن الطعن عليه أمام مجلس الدولة, ولكنه حسب هذه الأحكام التي لا أوافق عليها أن قرار إعلان النتيجة هو تعبير عن إرادة الناخبين وليس تعبيرا عن إرادة الإدارة, وهذا التفسير الذي وصلت إليه بعض أحكام مجلس الدولة يتماشي مع ما ذهب إليه مجلس الشعب من اعتبار النتيجة يعتبر تثبيتا لعضوية الناجحين في الانتخابات. ومن هنا بدأت مرحلة التحقيقات التي تجريها محكمة النقض في هذه الطعون, وما تنتهي إليه هذه التحقيقات من رأي في بطلان الانتخابات أو صحتها أو بطلان العضوية أو صحتها, وهي ما يأخذ بها مجلس الشعب أو لا يأخذ باعتبار المجلس سيد قراره, وباعتبار محكمة النقض جهة تحقيق وإبداء رأي وليست جهة إصدار أحكام قضائية.