بات مجلس الشعب في صدر الأزمة السياسية.. عبئا يطبق علي أنفاس المشهد السياسي.. المجلس الذي كان يتصدي للأزمات بكل تفصيلاتها وجد مصيره في قلب دوامة مصير مجهول وفي وقت تحيط المخاطر بالوطن. الجموع تعلق الانفجار السياسي الذي حدث في رقبة البرلمان علي خلفية انتخابات شابها العوار في مراحل مختلفة. وبات السؤال يفرض نفسه إلي أين يذهب مجلس الشعب وكيف يكون مصيره وسط عاصفة جدل قانوني ودستوري, الإجابة في التحقيق التالي: يعتنق الدكتور جابر جاد استاذ القانون الدستوري بحقوق القاهرة وجهة نظر محددة صوب مشروعية مجلس الشعب قائلا.. هذا المجلس باطل وما يتخذه من قرارات لاتستند لصحيح القانون والدستور.. كون هناك أحكام نهائية واجبة النفاذ قد أصدرتها محكمتا القضاء الإداري والإدارية العليا ببطلان الانتخابات في784 دائرة وهذا العدد الكبير من الأحكام يفقد مجلس الشعب نصابه القانوني للاعتداد بما يصدر عنه من قرارات. وأتصور أنه وفقا للوضع السائد يجب علي رئيس الجمهورية إصدار قرار بقانون بحل مجلس الشعب القائم وفقا للمادة741 من الدستور والدعوة لانتخابات جديدة بالقائمة النسبية غير المشروطة. ويتساءل كيف لمجلس مشكوك في مشروعيته إقرار تعديلات دستورية تفتح افاقا جديدة للحياة السياسية في مصر؟! المنطق والعقل يفضي إلي انتخاب مجلس جديد. نزع الدكتور جابر جاد استاذ القانون الدستوري عن محكمة النقض اختصاصها بالنظر في الطعون علي أعضاء مجلس الشعب قائلا.. هناك خلط شديد في هذه المسألة في ضوء قاعدتين أساسيتين.. الأولي تتعلق بما قد يحدث من تلاعب خلال فترة إجراء الانتخابات وفيه يعود الأمر إلي اختصاص محكمة النقض ومجلس الشعب وهذا غير متوافر في الحالة الراهنة التي خرجت عليها الانتخابات. والثانية أن لدينا أحكاما نهائية واجبة النفاذ تقضي ببطلان انتخابات مجلس الشعب قد صدرت من محكمتي القضاء الإداري والإدارية العليا ولا يجب الالتفاف عليها وإنما قبولها وإصدار قرار حل المجلس وعدم انتظار أحكام محكمة النقض. هناك سلطات أساسية لرئيس الجمهورية في هذا الشأن تجاه الصورة التي خرج عليها مجلس الشعب الحالي الذي تلاحقه الشبهات ووجوده علي هذا النحو يدفع بالحياة السياسية والتشريعية إلي منعطف خطير. استمرار المجلس يقف الدكتور رمضان بطيخ أستاذ القانون الدستوري بحقوق عين شمس في مرتكز يطرح به وجهة نظر مغايرة أقرب لصياغة حقيقية لما عليه مجلس الشعب, حيث يقول! يسود جدل قانوني علي قواعد دستورية راسخة لا تحتمل التأويل, ولذلك فإن الواقع الراهن يتطلب رؤية أفضل وأعمق يؤول فيها استمرار شرعية المجلس الحالي وقيامه بدوره.. شريطة أن تجري التعديلات الدستورية التي وجه بها رئيس الجمهورية عبر لجنة وطنية تنتهي إليها في صورتها النهائية وتدفع بها إلي البرلمان الحالي لإقرارها بعيدا عن عبث العابثين. وحسب اعتقاده في تفسير نصوص الدستور فإن كل القرارات التي يتخذها مجلس الشعب الحالي.. تعد قرارات صائبة لها قوة القانون ولا توجد بها شائبة.. حتي ولو ثبت فيما بعد ببطلانه استنادا إلي نظرية الواقع.. مجلس الشعب الحالي قائم ولا يمكن تجاهل وجوده مادام أنه لم تقم أدلة دامغة علي بطلانه وفق ما تقره أحكام محكمة النقض. لقد سبق للمحكمة الدستورية العليا إصدار حكم تاريخي في هذا الصدد علينا ألا نغفله وسط خضم تلك الأزمة القانونية الطاحنة وذلك عندما تم حل مجلس الشعب من قبل وأقرت بصحة ما اتخذه من إجراءات وما صدر عنه من قرارات. يرفض الدكتور رمضان بطيخ استاذ القانون الدستوري الاعتداد بأحكام محكمتي القضاء الإداري والإدارية العليا فيما يتعلق ببطلان عضوية أعضاء مجلس الشعب قائلا: ما صدر من أحكام في هذا الشأن أحكام تتعلق بالإجراءات التي صاحبت العملية الانتخابية قبل إعلان النتيجة وبالتالي يعود الاختصاص الأصيل إلي محكمة النقض لتقر شرعية الانتخابات في الدوائر محل النزاع وصحة عضوية اعضاء المجلس من عدمه والمادة39 من الدستور نصوصها واضحة ولا تحتمل التأويل. مع التأكيد أن محكمة النقض لا تصدر أحكاما وإنما تضع تقريرا ترفعه إلي مجلس الشعب كونه صاحب الكلمة الأخيرة. المصلحة الوطنية يري الدكتور حمدي عبد الرحمن أستاذ القانون الدستوري بعين شمس وجهة نظر منطقية تنحاز للمصلحة العامة تقضي حسبما يقول.. الضرورة تتطلب الابقاء علي مجلس الشعب الحالي.. حيث تحول الظروف الراهنة إلي ذلك. ورغم يقيني بأن هذا المجلس لا يعد مجلسا دستوريا أو قانونيا.. إلا أن الانحياز إلي المصلحة الوطنية تدعو إلي استمراره حتي يتم التوصل إلي صيغة نهائية وإقرار التعديلات الدستورية المقترح تعديلها تفاديا لأزمات تطيل أمد الفوضي. وعندما قلت بأن المجلس باطل.. لم أكن أستند إن قواعد قانونية مغايرة وإنما هناك أحكام باتة وواجبة النفاذ من المحكمة الإدارية العليا بشأن بطلان الانتخابات ولا يجوز تجاهل هذه الأحكام أو الانتظار إلي التقرير الذي يصدر عن محكمة النقض في هذا الشأن كونه يعد تعقيبا علي حكم محكمة أخري. ما صدر عن المحكمة الإدارية العليا من أحكام بشأن بطلان الانتخابات في دوائر عديدة.. يكفي لإبطال مجلس الشعب وعدم مشروعيته. ووفق ما يتصوره الدكتور حمدي عبد الرحمن أستاذ القانون الدستوري بأنه لا يوجد ما يمنع للخروج من مسألة الجدل القانوني حول مشروعية مجلس الشعب.. بتشكيل لجنة قانونية وطنية لإقرار التعديلات الدستورية المزمع إجراؤها والدفع بها إلي مجلس الشعب القائم للموافقة عليها.. حتي تتسارع الخطوات في تحقيق الإصلاح السياسي بما لا يخل بتحقيق المصلحة العامة وإن كنت أنحاز إلي دستور جديد.. يعيد صياغة الحياة السياسية وفق ما اعتري الواقع من متغيرات لا يمكن تجاهلها وهي التي أدت إلي وقوع الانفجار السياسي. مسألة عرض قضية الطعون الانتخابية لمجلس الشعب علي محكمة النقض.. مسألة شكلية لا جدوي قانونية منها.. لأنه لا يمكن للأحكام القضائية أن تتعارض فيما بينها وإذا كان مجلس الدولة قد أقر ببطلان الانتخابات.. فلن تستطيع محكمة النقض إقرار واقع قانوني آخر.