ساعات قليلة فقط فصلت بين التفاؤل الذي تحدث به ايهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي عقب لقائه في شرم الشيخ مع الرئيس حسني مبارك عن اعتقاده بأن فرصة السلام لاتزال موجودة بوضوح. وبين اكتشاف اجهزة الأمن في دبي جريمة اغتيال محمود عبدالرءوف المبحوح احد ابرز قادة كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس بأحد فنادق دبي جريمة الاغتيال هذه تمت, حسب وصف الدكتور موسي ابومرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عن طريق صعقه أولا بصاعق كهربائي شل حركته تماما ثم القيام بخنقه باحد الحبال داخل غرفته حتي فارق الحياة. اغتيال محمود المبحوح جريمة إسرائيلية مائة بالمائة, حسب تأكيدات قادة حماس لأنه الرجل المسئول عن عدد مميز من العمليات البطولية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي كان ابرزها اختطاف جنديين إسرائيليين, كما انه كان من قادة الانتفاضة الأولي, ولذلك تعرض منزل اسرته في مخيم جباليا بقطاع غزة للقصف والتدمير عام1990 في أولي سلسلة عمليات الانتقام الإسرائيلية منه التي انتهت باغتياله في دبي. اعتماد إسرائيل سياسة اغتيال قادة المقاومة ليس بالأمر الجديد, لكن ماهو جديد ان يتم الاغتيال خارج الاراضي الفلسطينية, وعلي أرض احدي الدول العربية التي كان قد زارها وزير إسرائيلي مؤخرا للمشاركة في مؤتمر عن الطاقة الجديدة, كما ان القضية ليست فقط قضية احراج لدولة عربية أو غير عربية, ولكنها في الاساس قضية اعتماد سياسة الاغتيال للقادة والزعماء في الخارج وبالذات قادة المقاومة علي نحو ماجري ل عماد مغنية القائد العسكري لحزب الله اثناء زيارته للعاصمة السورية دمشق, في وقت تخوض فيه الولاياتالمتحدة باسم المجتمع الدولي سواء كان عن جد أم عن ادعاء مزيف حربا ضارية ضد ما تسميه ب الإرهاب وفي وقت تم فيه الزج بالمقاومة العربية وفصائلها ضمن دائرة الاتهام بالإرهاب ارضاء لإسرائيل, بعد ان نجحت إسرائيل في الربط بين المقاومة العربية المشروعة قانونيا ودينيا والتي تهدف إلي تحرير ارض عربية محتلة في فلسطين ولبنان والعراق وبين منظمات الإرهاب, لدرجة ان هذه المنظمات المقاومة بكسر الميم أصبحت مطاردة عالميا وعربيا بدرجة لاتقل عن المطاردة التي تتعرض لها المنظمات الإرهابية. في ظل هذه الظروف قد لاتجد المقاومة من سبيل للرد علي سياسة الاغتيال الإسرائيلية غير المعاملة بالمثل ومطاردة قادة الكيان في الخارج والعودة إلي ممارسات سابقة كانت قد توقفت عنها واعتمدت المقاومة ضد الاحتلال في الداخل. حدوث ذلك يعد خطرا هائلا بالنسبة للمقاومة, فسوف ترتفع الاصوات الدولية وقبلها الصهيونية في العالم الغربي خاصة ضد المقاومة واتهامها بالإرهاب في وقت اصيب فيه الاعلام الغربي ومعه كثير من الاعلام العربي للأسف, بالخرس والصمت ازاء الجرائم الإرهابية الإسرائيلية, وسوف تتعقد علاقة المقاومة بالدول التي يمكن ان ترتكب فيها عمليات الانتقام للشهداء سواء كانت دولا عربية أو غير عربية, وهي علاقة ليست في حاجة إلي مزيد من التعقيد, لكن الأهم هو ان إسرائيل سوف تجد الفرصة للهروب من دواعي وضغوط السلام العربية في وقت تشعر فيه ب الاختناق من منهج السلام العربي, واعتماد العرب خيار السلام, والتزام الفلسطينيين بهذا الخيار مما جعل إسرائيل متهمة بتسويف السلام وتعقيد مبادراته, علي النحو الذي لم يستطع الرئيس الأمريكي باراك أوباما الإفصاح عنه مؤخرا عندما اعرب عن احباطه من المحصلة السلبية لجهود السلام, وأرجع ذلك إلي ما وصفه ب السقف المرتفع للتوقعات الأمريكية من عملية السلام وليس من سياسة التسويف والتشدد الإسرائيلية خاصة بالنسبة لسياسة توسيع الاستيطان. تفجير عملية السلام ربما يكون الهدف الإسرائيلي الحقيقي, سواء عن طريق التوسع في فرض ظاهرة الاغتيال السياسي, أو بشن حرب علي لبنان أو قطاع غزة, أو ربما شن حرب ضد إيران اذا وجدت فرصة سانحة لذلك للهروب من استحقاقات السلام, وهذا ما يؤكده الإسرائيليون في حواراتهم الداخلية بعكس ما يتحدثون به من احاديث معسولة مع العرب عن السلام وفرصه السانحة. فإذا كان ايهود باراك قد تحدث في مؤتمره الصحفي بشرم الشيخ عن الفرصة السانحة للسلام, فإنه تحدث عكس ذلك امام المركز الإسرائيلي للإدارة في جامعة بار إيلان حيث شدد علي أولوية امتلاك إسرائيل للقوة كي تفرض السلام الذي تريده,( عين علي نافذة السلام ويد علي الزناد) وفصل ذلك في حديثه امام مؤتمر دولي باسم يرورسبايسي عقد بالقرب من مطارد اللد عندما اوضح انه كلما تعاظمت قوة إسرائيل العسكرية فإن ذلك سيؤدي إلي زيادة قوتها الرادعة والتوصل بالتالي إلي معاهدات سلام مع العرب. باراك ربما يكون الأكثر اعتدالا بحكم انتمائه إلي اليسار الإسرائيلي وحزب العمل, لكن وزراء الليكود هم الاقوي وهم الاكثر تشددا والأكثر رفضا للسلام, وتأكيد ان السلام ليس خيارا إسرائيليا ولن يكون علي نحو ما أكد الوزير يوسي بيلد من ان بلاده لاتعتبر السلام مع جيرانها هدفا تسعي إلي تحقيقه وأن الهدف الإسرائيلي هو الأمن وضمان وجود دولة يهودية إلي الابد موضحا معني ان يكون الأمن هو الغاية الأولي لإسرائيل بقوله اننا تلقينا هدية من التاريخ مرة واحدة, وتتمثل ببيت يهودي, واذا فقدناه لن تكون هناك فرصة ثانية, ولذلك فإن وجودنا اهم من اي شيء. الوزراء يقولون ذلك اما رجال الدين وكبار الحاخامات فيريدون إسرائيل يهودية خالية من العرب من النهر إلي البحر دون عربي واحد, لذلك هم يسرفون في إصدار عشرات الفتاوي التي تبرر قتل الاغيار اي غير اليهود. الغريب ان هذا الاعتقاد لايقتصر علي حاخامات إسرائيل دون غيرهم من حاخامات اليهود, فما دعا إليه الحاخام الأمريكي مانيس فريدمان من قتل العرب رجالا ونساء واطفالا وتدمير مقدساتهم مجلة مومنتmoment الأمريكية عدد يونيو2009 هو ذاته ما يطالب به حاخامات إسرائيل, ففي رده علي سؤال عن كيفية معاملة اليهود لجيرانهم العرب وليس فقط لعرب فلسطين قال: أنا لا أؤمن بالاخلاقيات الغربية التي تقول لاتقتلوا المدنيين أو الاطفال, ولاتدمروا الاماكن المقدسة, ولاتقتلوا اثناء الاعياد, ولاتقصفوا المقابر, ولاتطلقوا النيران حتي يبدءوا هم بذلك. وقال هو حاخام بمعهد بياس تشانا للدراسات اليهودية بولاية مينسوتاز ان الطريقة الوحيدة لخوض حرب اخلاقية هي الطريقة اليهودية, دمروا مقدساتهم واقتلوا رجالهم ونساءهم واطفالهم ومواشيهم, فعند تدمير مقدساتهم سوف يتوقفون عن الاعتقاد بأن الرب إلي جانبهم. يبدو ان الذين ذهبوا إلي دبي من رجال المخابرات الإسرائيلية الموساد واغتالوا القائد العسكري في حركة حماس كانوا واعين بأنهم فعلوا ذلك من أجل تحقيق السلام, ولكن علي الطريقة اليهودية. المزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس