في الوقت الذي أعلن فيه طارق عبدالرازق اخر جاسوس كشفت عنه أجهزة المخابرات المصرية تمسكه بدينه.. مؤكدا صلاته وصيامه ورفضه المشروبات الكحولية, وكذلك عدم إقامته أي علاقات نسائية.. وجدناه علي النقيض تماما. هابطا بقيمة وطنه ومتآمرا علي الأمن القومي للبلاد, خائنا لكل شيء.. هذه المعادلة فيما بين العبادة والخيانة لا تستقيم بأي حال من الأحوال, فحقيقة الدين انه عاصم من الخيانة وباعث اول علي حب الأوطان. الأمر الآخر أن عقيدة الايمان بالله وبرسالات الأديان تدفع بصاحبها الي أرقي درجات التضحية والتفاني من أجل الأوطان وليس السقوط في بئر الخيانة. الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي وعضو مجمع البحوث الإسلامية يقدم عدة تفسيرات لما حدث, اولها وأهمها علي الإطلاق, وجود خلل في ثقافتنا المعاصرة, وإهمال المتحدثين باسم الفكر الاسلامي لقضية الوطن وحب الوطن, تحت دعاوي مختلفة بدءا من كونه وطنا غير مطبق للشريعة الاسلامية بشكل حقيقي أو أن الوطن هو وطن الإسلام وليس الوطن الإقليمي الذي نعيش فيه. والموقف الإسلامي كما يضيف الدكتور عمارة يضع حب الوطن في مقدمة دواعي ومتطلبات الايمان حتي لو كانت تتفشي بهذا الوطن سلبيات عديدة. فالحب والإخلاص هو الذي يدفع بالشعوب لتلافي النواقص ومعالجة السلبيات. ويكمل تفسيراته لاسباب خيانة الوطن, بوجود نماذج غير صالحة تقدم قدوة سيئة للشباب, وتجعلهم يستهينون بأهمية العمل والكفاح والانتماء لوطن لايستحق من وجهة نظرهم هذا الانتماء, بل يستحق التضحية بأمنه ومصالحه من أجل المال, وهو مايحتاج كما يري الدكتور محمد عمارة إلي إبراز مافي مجتمعاتنا من نماذج مشرفة, تتمسك بالعلم والدين والعمل.. حتي يري الشباب( قدوة) تساعدهم علي التمسك بالطريق الصحيح, وتقوي لديهم إرادة مواجهة( الغواية) بكل ألوانها واشكالها والتي كثرت في هذا الزمان. وينبه د. عمارة الي خطورة التدين الشكلي الذي يقف عند حد الشعائر, ولا يقيم وزنا للأمور الأخطر والأهم في جوهر هذا الدين, الذي لايقام كاملا إلا في وطن يخلص له ابناؤه فإلي جانب الفرائض الفردية في الإسلام, هناك فرائض اجتماعية يستلزم تحقيقها وجود الوطن والأمة والجماعة.. وإلا فكيف يمكننا تصور الجهاد والزكاة والتكافل والصدقات؟ ويدلل الدكتور محمد عمارة علي خطأ اعتقاد بعض الشباب غير المدرك قيمة الاخلاص للوطن والذين يردد بعضهم أحيانا تساؤلا ساذجا مثل ماذا أعطاني الوطن؟! بأنهم مخطئون أشد الخطأ.. والقدوة في هذا الأمر كان رسول الله صلي الله عليه وسلم, فعندما دفعته الظروف الي مغادرة مكة مهاجرا كان شديد التأثر بها. رغم كونها مجمعا للاصنام ويسيطر عليها الشرك إلا أنه قال:( والله إنك لأحب بلاد الله الي الله, وأحب البلاد الي نفسي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت. ما سبق يقودنا الي البحث عن دور رجال الدين والخطباء علي المنابر ورجال الدعوة باعتبارهم مسئولين عن حالة( انفصام الشخصية) التي تصيب البعض ومنهم الجاسوس وذلك لتركيز خطابهم الديني علي العبادات وهي لا تشكل سوي( خمس) الدين الاسلامي, في حين تشكل علاقة الانسان بالآخرين أربعة أخماس هذا الدين. هذا الرأي للدكتور سعد الهلالي أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر الذي يكمله بتوضيح لما سماه جناحي الإسلام, وهما: حق الله, كالعبادة من صلاة وصيام وزكاة.. وهذا الحق مبني علي اليسر والتسامح وقبول التوبة, لمن يعود ويندم, أما الحق الثاني, فهو حق الأخرين. وهذاعلي العكس من الأول- مبني علي عدم التهاون أو التسامح, او السقوط لمجرد الندم أو التوبة, وهكذا عظم الله حق الناس علي حقه, سبحانه وتعالي. ويوضح أن أخطر مافي حقوق الآخرين حق الوطن والجماعة إذ قد يقبل الآخرون الأعذار او يتسامحون كشرط لقبول التوبة ولكن في حالة خيانة الوطن, يكون المطلوب أن يسامح الخائن كل أبناء هذا الوطن, وهذا يستحيل. ويضيف د. الهلالي الي خيانة الوطن والتجسس عليه, جرائم أخري يضعها في نفس المرتبة( الكبائر) كسب الوطن, أو السعي لإثارة الفتن بين أفراده.. ويؤكد انها جرائم لا توبة فيها, ويكون أمر مرتكبها مرهونا بما يقرره الله بشأنه في الآخرة, لأنه أضاع حق وطنه وجماعته وشعبه. أما أن يقول الجاسوس كانت لي صلاة وصيام.. فهذا مما يستوجب التحذير منه, لأن الرسول صلي الله عليه وسلم. أخبرنا أن من يأتي بصلاة وصيام وحج ولكنه سفك الدماء وشتم.. وخان.. يكون مصيره( الإفلاس) يوم القيامة, لأنه يكون مطالبا بدفع ثمن ظلمه وأفعاله من ميزان اعماله وحسناته, فلا يتبقي له رصيد. وبالتالي فالمسألة تحتاج الي جهد كبير حتي يفهم الشباب والكبار حقيقة مالهم وما عليهم تجاه اوطانهم.