فزعت كما فزع غيري من المصريين لما حدث أخيرا من أحداث مؤسفة في الجيزة! في كل مرة يحدث فيها هرج ومرج بين قلة من المسلمين والأقباط, تهرع كل الأجهزة والمؤسسات للدفاع عن الوحدة الوطنية, فالوطن لابد أن يجمع الكل بعيدا عن عنصرية الدين أو الملة والعقيدة, والدولة بأجهزتها ومؤسساتها هي الحامية للمسيحيين والمسلمين, وبالفعل كانت الدولة تضرب بيد من حديد كل من يحاول أو حاول اللعب علي وتر العنصرية والطائفية أو تهديد الوحدة الوطنية, والنداء الصحيح والغالب كان دائما هو الدين لله والوطن للجميع. ولكن: وآه من لكن هذه! تجمهر أكثر من ثلاثة آلاف مسيحي واحتشدوا أمام مبني الخدمات التابع لكنيسة العمرانية والتفوا جميعا علي هتافات معادية للدولة وانتقلوا إلي مبني المحافظة وحي العمرانية في وصلة رشق بالحجارة وزجاجات المولوتوف, تصوروا كأنهم يهاجمون عدوا لدودا, فكسروا واجهة المحافظة والحي وحرقوا سيارات مواطنين أبرياء من سيعوضهم عن خسائرهم؟ ألقت قوات الأمن التي أصيب منها عدد ليس بالقليل ويقدر بنحو24 جنديا وضابطا بينهم لواء ألقت القبض علي الذين وضعوا المتاريس ورفضوا الاستجابة لنداءات الشرطة بالانصراف, بل واشتبكوا مع رجال الأمن عند مبني الخدمات سبب الكارثة, وحاولوا فرض الأمر الواقع, واستكمال البناء المخالف بالقوة, وإدخال سيارات محملة بمواد البناء عنوة في استثمار لمناخ الانتخابات وتصاعد لوتيرة الحملة الدعائية الخارجية, والمهم أنهم جميعا رفضوا النصح! محافظ الجيزة كان رمانة الميزان في توضيح الحقائق بهدوء وثقة, وكان موفقا للغاية حين دعا إلي مؤتمر صحفي ولقاء لكل وسائل الإعلام موضحا بالمستندات أن مبني الخدمات التابع لكنيسة العمرانية بشارع الإخلاص علي الدائري صدر له بالفعل ترخيص بناء من الحي وهو مبني لخدمات اجتماعية وطبية فقط وليس كنيسة متكاملة كما يحدث الآن, وقال: إن بالمبني مخالفات هندسية وفنية في عملية البناء, وليس لدي المحافظة نيابة عن الدولة أي مانع من تحويله إلي كنيسة بشرط اتباع القانون وتصحيح الأخطاء, فالقانون هو سيد الجميع, ولكن كان للاخوة المسيحيين رأي آخر, فتم تنظيم التجمهر بقيادة أحد القساوسة, وتم احضار العدد من كل محافظات الجمهورية في وقت واحد, وبسيارات معروفة للجميع, ونظموا الهتافات المعادية الموحدة وخطوط السير المنظمة من المبني إلي المحافظة إلي الحي, ومعهم خطة التدمير الثلاثية مستخدمين ولأول مرة قنابل أو زجاجات المولوتوف, وهو ما لم يحدث من قبل حتي إن أجهزة الأمن ألقت القبض علي159 متظاهرا ومعهم27 زجاجة لم تستخدم حتي ساعتها, ورغم هذا التنظيم, إلا أن الجميع ينكر صلته به مؤكدين أنه عفوي, لا أب شرعي له ولا حتي أم. حين قال الدكتور سليم العوا المفكر الإسلامي إن بالكنائس أسلحة هاجمناه جميعا واستنكروا هذا التصريح ومازلنا نرفضه ونستنكره, ولكني أقول للاخوة والأصدقاء الذين وراء ما حدث.. ماذا ستكون النتيجة لو أن الأمن فقد أعصابه وتعامل معهم بالقانون ساعتها ألم تكن النتيجة قتل العشرات؟ وماذا تعني التجمعات الغاضبة أمام مكتب النائب العام؟ أليس المواطنون المصريون سواء لدي القانون؟ وهو مطلب جماعي لكل فرد علي أرض مصر؟ سيقول القضاء كلمته وسيحاسب المخرب والمحرض معا من أجل مصر كلها, بل من أجل الأقباط تحديدا, فهم دائمو الصراخ بالاضطهاد ويريدون الحماية, والأمن والمحافظة والحي الذي سيحميهم هاجموه واعتدوا عليهم ولم يقل لهم أحد كبارهم عيب. لم يعجبني تصريح قداسة البابا شنودة حين قال في معرض تعقيبه علي الأحداث الأخيرة إن هناك30 بيتا تم حرقها في أبو تشت بدون سبب ولم تعوض الدولة أصحابها رغم أنهم تحت رعايتها, وطالب المحافظين ورجال الأمن بالتعامل بحكمة مع الأمور وبهدوء بدلا من العنف, فالعنف يولد عنفا, هذا كان رأي البابا.. فمن الذي احتشد وهاجم وكسر وأتلف وأغلق الطرق كأنه في معركة حربية مع النظام؟ ولم يعجبني رأي القمص سرجيوس من أن تدخلات خارجية تحاول العبث بأمن واستقرار مصر, وهو وكيل عام البطريركية وكاهن كنيسة مار جرجس, فليس الخارج هو الشماعة الوحيدة التي نعلق عليها ما نفعله وإلا فما قيمة الحكماء والعقلاء من رجال الدين؟ وأعجبني رأي الأزهر الشريف الذي طالب بالاعتصام بالوحدة الوطنية والاحتكام إلي القانون, وتشكيل لجنة من حكماء الجانبين مسلمين وأقباطا لمواجهة كل المشاكل التي تواجه الأمة. وعلي الجميع الانتباه فورا وبدون تأخير إلي أن الأمور تتسارع نحو الخطر, فبعد أن كان الخوف علي الوحدة الوطنية أصبح الخوف علي مصر.