في الوقت الذي يعيش فيه العالم الآن ثورة كونية معرفية ويتجه سريعا للانتقال من مجتمع المعلومات إلي مجتمع إنتاج المعرفة حيث يصبح الانسان بقدراته العقلية الابداعية والعلميه هو القيمة العليا في هذه الثورة, أو بالأحري هو التحدي الحقيقي والمعيار الحاكم لمستويات التقدم نحو امتلاك المعرفة, مازال البعض منا مشغولا بخلط الجد بالهزل, والانسياق وراء نزوات. قد تبدو شخصية للوهلة الأولي, لكن خطورتها أنها ذات امتدادات مجتمعية أي تعبر عن وعي مجتمعي شديد التدني في التعامل مع قضايا العلم والمعرفة والتقدم, والوقوع في خطيئة تحقير العلم وأهله, والتعامل بتبسيط شديد الإخلال بالحقائق وجدية المعلومات في قضايا لا تحتمل مثل كل هذا السقوط الأخلاقي علي نحو ما أخذ ينشر من جانب البعض سواء عبر صحف أو شبكة الإنترنت علي مدي أشهر ماضية بخصوص القدرات العلمية المصرية في مجال الاستخدام السلمي أو إنتاج الطاقة النووية, بالإساءة إلي التجربة المصرية الرائدة في هذا المجال دون استيعاب لقيمة هذه التجربة ودون وعي بالتحديات التي واجهت والتي مازالت تواجه ما استهدفته هذه التحديات من الحيلولة بين مصر وبين العلم النووي والمعرفة التي هي تكاد تكون عالما كاملا من العلم والمعرفة وطريقا لا مناص منه للتقدم في جميع المجالات. فإذا كان العالم بات يدرك خطورة نضوب مصادر الطاقة من البترول والغاز بسبب معدلات الاستهلاك العالية علي مستوي العالم بسبب الثورة الصناعية غير المحدودة, وإذا كان العالم قد أخذ يئن من ويلات تلوث البيئة بسبب هذا الاستخدام المفرط لمصادر الطاقة التقليدية ويتجه إلي الطاقة النووية باعتبارها طاقة نظيفة وغير قابلة للنضوب, فإننا وبحق قد تأخرنا كثيرا في هذا المجال, ويجب أن نسرع الخطي لامتلاك مشروع نووي متقدم وننهض بما نمتلك من قدرات نووية ليس فقط من أجل الحصول علي طاقة رخيصة ونظيفة وغير قابلة للنضوب, بل وأيضا لأن المعرفة النووية أصبحت أحد مؤشرات التقدم نظرا لاتساع مجالات الاستفادة من هذا العلم حيث أخذ العالم يسير بخطي سريعة لاستخدام الطاقة النووية في كثير من المجالات مثل تحلية المياه, وفي مجال الطب والعلاج الإشعاعي والتعقيم بالإشعاع, وفي مجال الزراعة ممثلة في إنتاج سلالات جديدة من النباتات وحفظ الأغذية والقضاء علي الآفات, ومعرفة درجة الجودة من خلال إجراء الاختبارات الكشفية بالنيوترونات وأشعة جاما وغير ذلك من مجالات البحث والدراسة. نقول ذلك, ونحن نعي أن هناك من استطاعوا أن يحققوا تقدما هائلا ليس فقط في المجال السلمي للطاقة النووية ولكن أيضا في المجال العسكري لاكتساب المكانة الدولية, وتهديد الآخرين, وبعض هؤلاء ليسوا بعيدين عن ترابنا الوطني, فدولة إسرائيل تمتلك قدرات نووية عسكرية ومدنية وتتقدم باطراد في المجالين وترفض الانضمام إلي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية, وتهدد أمننا الوطني بتعنتها في رفض الاستجابة لدعوة مصر بجعل الشرق الأوسط إقليما خاليا من أسلحة الدمار الشامل وتجد من يشجعها ويساندها في هذا التعنت بما يعنيه من خطر وتهديد مباشر للأمن الوطني المصري والأمن القومي العربي. إذا كنا نعي ذلك وندركه فالأولي بنا أن نسرع الخطي في تطوير ما نملك من قدرات نووية وأن نؤسس لمشروع نووي مصري قادر علي أن ينقلنا إلي عالم التقدم وعالم إنتاج المعرفة, ولكن للأسف ونحن نعيش الأمل نجد من يحرص علي أن يسير في الاتجاه المضاد وأن يسخر ويهزأ من قدرات مصر في هذا المجال, ويستغل حادثة شديدة البساطة وقعت يوم41 أبريل الماضيا في المفاعل النووي المصري بأنشاص ليعوق هذا الأمل الوطني من منطلق استغلال هذه الحادثة لاحتواء الأمل الذي يراودنا جميعا بالترويج لأكاذيب قد يفهمها البعض بأننا لسنا مؤهلين لامتلاك مفاعلات لانتاج الطاقة النووية وذلك بالادعاء بأن ما حدث بالمفاعل البحثي الأول بأنشاص في ذلك اليوم كارثة كانت ستؤدي لولا عناية الله إلي إخلاء منطقة أنشاص والمناطق المجاورة لمئات السنين. إن الذين حرصوا علي ترويج تلك الأكاذيب تعمدوا تجاهل أمور بدهية يعرفها العالم كله أنه مع كل هذا الانتشار غير المسبوق في أعداد المفاعلات النووية بالعالم سواء كانت مفاعلات أبحاث أو مفاعلات قوي أو مفاعلات متنقلة معرضة وكأمر طبيعي لوقوع بعض الأخطار التي قد تنتج عن هذا التوسع الهائل في استخدام الطاقة النووية والمواد النووية في جميع المجالات. وتجاهلوا أن ما أسموه ب كارثة أنشاص ليس له أي توصيف ضمن ما هو متعارف عليه عالميا من مسميات لهذه الأخطار. فالعالم درج علي تسمية الواقعة النووية التي تتسبب في خسائر بشرية بالوفاة أو بالاصابة بالاشعاع النووي لأحد الأفراد أو ينتج عنها خسائر مادية تقدر ب خمسين ألف دولار أمريكي ب الحادثة النووية, أما الواقعة التي لا تتسبب في خسائر بشرية وتتسبب في خسائر مادية دون الخمسين ألف دولار أمريكي فدرج علي تسميتها ب الحدث النووي, وعلي الرغم من كل هذا التوسع في المنشآت النووية في العالم منذ بدأ العصر النووي في عام0491 فإن عدد الأحداث والحوادث النووية التي وقعت لم تزد علي351 حدثا وحادثة منها65 حادثة وقعت في الولاياتالمتحدةالأمريكية والباقي وقعت في باقي دول العالم النووية, ولم يتجاوز عدد الخسائر البشرية التي نتجت عن المفاعلات النووية بالولاياتالمتحدة سبعة أفراد( أقل من حادثة ميكروباص صغير علي أحد الطرق المصرية التي تكاد تكون يومية). ومع ذلك فإن هؤلاء المغرضين أطلقوا مسمي الكارثة علي واقعة محددة لم تنتج عنها أية خسائر وجري احتواؤها بأسرع وأفضل ما يكون, لكن الأهم من ذلك أن هؤلاء تجاهلوا إما عن عمد أو عن جهل أن البرنامج النووي المصري منذ أن بدأ عام7591 وحتي الآن لم يشهد واقعة واحدة يمكن تصنيفها لا بالحادثة ولا بالحدث النووي. ولذلك أجدني مدعوا لأن أقول بكل فخر واعتزاز وبصفتي أحد العاملين من الجيل الأول في البرنامج النووي المصري الذي يتميز بالوضوح والشفافية المطلقة التي يشهد بها العالم أجمع وبجميع مؤسساته وهيئاته العلمية أن البرنامج النووي المصري جدير بالافتخار, وأن كفاءته تشهد عليها خلو كل تلك السنوات من أي حدث أو حادثة نووية بفضل قدرة وكفاءة العاملين في هذا المجال, الذين اثبتوا بالدليل القاطع أنهم أبناء مخلصون لوطنهم وأنهم يملكون الكفاءة والعزم وقادرون علي تحمل مسئولية النهوض بمشروع مصر النووي, وأنهم يتطلعون ليوم يتحول فيه هذا المشروع إلي مشروع قومي يجدد الحلم في المستقبل الواعد لكل المصريين, وأن يكون هذا المشروع بداية لعصر جديد من النهضة والتقدم.