علي شاطئ البحر الأحمر جلس الأب والأم في استرخاء بينما انطلق الابن والابنة يلعبان علي الرمال الذهبية وفي الماء الشفاف المتلون بزرقة السماء الصافية. التفت الأب الي أطفاله متسائلا عن اللعبة التي يلعبانها.. فردت ابنته ضاحكة.. انها لعبة القراصنة. فضحكت الأم محذرة ابنتها من سقوط سفينتها الصغيرة في يد شقيقها كرهينة.. فهي لن تدفع ثمن الحلوي التي سيطلبها القرصان الصغير كفدية للإفراج عنها! واذا كان هذا حال أسرة سعيدة هادئة في أحد المنتجعات المطلة علي ساحل البحر الأحمر فإن الأمر في جنوب ذات الساحل كان جد مختلف.فالخوف والتآمر والتربص يهيمن علي مقربة من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عند خليج عدن وعلي امتداد الساحل الصومالي المطل علي المحيط الهندي. فعلي الرغم من وجود3 قوي بحرية متحالفة ومتعددة الجنسيات في مقدمتها تحالف بحري دولي بقيادة الولاياتالمتحدة يضم25 دولة قبالة الصومال وماحولها بالإضافة لقطع بحرية من ايران وكوريا واليابان وماليزيا والصين والهند والسعودية واليمن فقد اختطف القراصنة أكثر من438 بحارا و20 سفينة منذ الرابع من شهر نوفمبر2010 بزيادة في عدد المختطفين قدرت ب100شخص في اقل من شهر وذلك وفق البيانات الصادرة عن المنظمة الدولية البحرية!! وفي نيويورك التي استضافت مؤخرا أعمال مجموعة الإتصال الدولية المعنية بمكافحة القرصنة أمام السواحل الصومالية وأمام مجلس الأمن وقف لين باسكووكيل أمين عام الأممالمتحدة للشئون السياسيةليقول:إن السفن الحربية وحدها لن تحل المشكلةمعترفا بأن مشكلة القرصنة المتزايدة علي السواحل الصومالية تتطلب أكثر من الجهود العسكرية مفضلا تبني إجراءات متعددة علي ثلاثة مستويات وهي:الردع والأمن وسيادة القانون بالإضافة الي التنمية. فمن الأفضل ان تتم إعادة تأهيل الإقتصاد الصومالي وخلق فرص عيش وعمل بديلة عن القرصنة وذلك بالتزامن مع التضييق القانوني علي نشاط القرصنة وسد الثغرات التي تسمح بإفلات الجناة وزيادة قدرة الحكومة علي تطبيق القانون وتنفيذ احكامه في البلاد. واشارت التقارير الواردة من المنطقة إلي أن القراصنة بدأوا في اعداد جيل جديد بتجنيد الأطفال الصوماليين في جماعات القرصنة التي تعمل قبالة سواحل' بونتلاند'وتم تسجيل10 حالات بالفعل في بداية العام الحالي.وخلال الشهور التالية تم تسجيل حالات هروب أطفال من' بونتلاند' وجنوب ووسط الصومال للإنضمام الي جماعات القراصنة. ويعد ظهور القراصنة الأطفال امرا متوقعا علي الرغم من غرابته.فالصومال يعيش حالة عدم استقرار وانعدام شبه كامل لسيادة القانون وهو ما وفر مجالا خصبا لنمو القرصنة وازدهارها بل واصبحت القرصنة سببا مباشرا في إعاقة استيراد البضائع والمواد الغذائية مما كان سببا من اسباب ارتفاع سعر المواد الغذائية ومواد البناء فتباطأ النشاط التجاري والإقتصادي لتنتشر البطالة.. ولم يجد الشباب الصومالي امامه بديلا عن الإنضمام الي الجماعات المسلحة أو العصابات الإجرامية علي البر والقراصنة في البحر. وكان امين عام الأممالمتحدة قد قدم تقريرا مهما لمجلس الأمن في نهايات الشهر الماضي اشار فيه إلي الحاجة لبذل مزيد من الجهد لا سيما لمعالجة الأسبا ب الجذرية للقرصنة عن طريق إعادة الاستقرار وسيادة القانون إلي الصومال. ونوه تقرير الأمين العام الي حقيقة لها مغزاها.ففيما يتعلق بنشاط مكافحة القرصنة في المياه الإقليمية قبالة سواحل الصومال وداخل الصومال وحتي تاريخ11 أكتوبر2010 لم تقدم اية دولة عضو اومنظمة اقليمية اخطارا مسبقا عن تعاونها مع الحكومة الإتحادية الإنتقالية في الصومال في مكافحة القرصنة. و أظهر الجانب الصومالي رغبة في العمل علي الساحة الداخلية فقد نجح في تقديم المزيد من المعلومات عن القراصنة ووجه القادة السياسيون والدينيون والمجتمعيون داخل الصومال رسائل علنية ودعائية للجماهير تهدف الي مكافحة القرصنة من خلال التناول المفصل للأثار الضارة التي يولدها نشاط القرصنة و حظرت كل من بونتلاندوأرض الصومال دخول القراصنة المشتبه بهم الي أراضيهما بل ووافقتا علي تقديم هؤلاء القراصنة للمحاكمة. وتجدر الإشارة الي ان التحالف الدولي المعروف ب مجموعة او فريق الإتصال المعني بمكافحة القرصنة أمام السواحل الصومالية قد تشكل بموجب قرار مجلس الأمن رقم1851 الصادر عام2008 وحاليا يضم53 دولة ومنظمة. وأنشأ فريق الاتصالأربع مجموعات(أو فرق فرعية):تترأس بريطانيا وأيرلندا الشمالية المجموعة الأولي ومهمتها تنسيق العمليات وبناء القدرات الإقليمية و المجموعة الثانية تترأسها الدانمارك وتركز علي الجوانب القانونية.وتركز المجموعة الثالثة برئاسة الولاياتالمتحدة علي زيادة الوعي والقدرات لمكافحة الظاهرة.أما مصر فترأس المجموعة الرابعة التي تسعي لتقديم المساعدة من أجل تحسين الجهود الدبلوماسية والإعلامية المتعلقة بجميع جوانب القرصنة. ..وبعيدا عن اجواء التوتر اسرع الابن والابنة الي والدهما وهما يضحكان وسألاه عن الكتاب الذي يقرأ فيه منذ الصباح فأشار الأب الي انه كتاب عن القراصنة الحقيقيين.. الذين يخطفون ويسرقون ويقتلون.. فنظر الأطفال الي والدهم في خوف ونظروا جميعا الي الأفق عند التقاء السماء الصافية بالبحر الأزرق الساحر.. واسرع الابن بجاروفه نحو الرمال فسألته شقيقته ماذا تفعل..فرد عليها بجدية قائلا..سأبني قلعة وأسوارا وخندقا!