بعد فترة توقف للمباحثات بين إيران ومجموعة الدول الست الغربية, ظهر أمل يشوبه بعض الغموض في أن تعود الروح مجددا إلي عملية التفاوض حول برنامج إيران النووي, إذ طرحت إيران فكرة. أن تستضيف تركيا هذه المفاوضات مجددا. وهو ما وافقت عليه أنقرة ورحبت به, بينما بدأ التردد في الموقف الأوروبي, فهناك من اعتبره مجرد مناورة إيرانية لكسب الوقت, وهناك من قال إن المطلوب هو دعوة رسمية محددة المعالم, أو وضع الأمور في إطار مقترح محدد المعالم. اقتراح طهران بالعودة إلي المفاوضات يأتي في ظل متغيرات مهمة, أولها أن هناك عقوبات دولية مفروضة علي إيران من قبل مجلس الامن الدولي صدرت بالقرار9291 في يونيو الماضي, وبجوارها عقوبات أكثر شمولية وذكاء فرضتها بصورة أحادية كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي, وهي العقوبات التي بدأت تأتي ثمارها علي الداخل الإيراني, وثاني هذه المتغيرات تلك الدعوة التي حملها نيتانياهو أثناء زيارته إلي واشنطن الاسبوع الماضي, وطالب فيها إدارة الرئيس أوباما أن توجه تهديدا عسكريا ذا صدقية لايران حتي توقف برنامجها النووي, وهو ما رفضه جو بايدن نائب الرئيس ووزير الدفاع, اللذان اكدا أن الأولوية الآن هي العقوبات وانتظار نتائجها علي الداخل الإيراني, وثالث هذه المتغيرات تتمثل في نجاح الجمهوريين في حصد أغلبية الكونجرس وتطلعاتهم في تعويق برامج الرئيس أوباما الاجتماعية والاقتصادية, ودعوة بعض رموزهم الفائزة إلي التعامل مع إيران بصورة عسكرية مباشرة, ليس فقط من أجل تغيير سلوك إيران, بل من أجل تغيير النظام برمته, وفقا لما قاله السيناتور ليندي جراهام عن ولاية كارولينا الجنوبية. أما رابع المتغيرات فيتمثل في الإدراك السائد في إيران وقوامه أن لا الولاياتالمتحدة, ولا إسرائيل تستطيعان أن تدشنا حربا ضد إيران, لسبب واضح وبسيط, وهو أن الولاياتالمتحدة أصبحت بمثابة رهينة في أيدي إيران بسبب وجودها في المنطقة, حسب ما أفصح عنه الجنرال مسعود جزائري نائب رئيس أركان الجيش الإيراني, وخامس هذه المتغيرات يتمثل في حرص تركيا علي دفع روح جديدة في المفاوضات الإيرانيةالغربية منعا للتورط في عمليات عسكرية غير محسوبة, وحتما سوف تؤثر علي المصالح التركية المتصاعد في المنطقة, وسادس هذه المتغيرات, فيتعلق برفض تركيا لمشروعات حلف الناتو بنشر نظام مضاد للصواريخ علي الاراضي التركية يكون موجها للدولة الجارة إيران. وربما نضيف متغيرا سابعا, وهو ما ورد في الوثيقة الأساسية للامن القومي التركي بعد إدخال تعديلات مهمة في بعض بنودها, والتي نشر بعض محتوياتها في82 أكتوبر0102, فقد تم رفع كل من سوريا وإيران من قائمة مصادر التهديد أو الخطر العسكري أو القومي المحتمل لتركيا, غير أن إيران ذكرت مرة أخري في قائمة خطر الأسلحة النووية إلي جانب إسرائيل, وهو ما يمكن تفسيره في أن تركيا سوف تعتبر إيران مساوية في الخطر النووي مثل إسرائيل إذا ما امتلكت أسلحة نووية لاحقا, وهذا الموقف المزدوج التركي ما بين رفع إيران من مصادر التهديد في المرحلة الراهنة, ولكن اعتبارها مصدرا محتملا للخطر إذا امتلكت أسلحة نووية, يكشف المستويات المختلفة التي تدرك بها أنقرة جارتها الكبري إيران, ويكشف عن الغموض, واللا يقين الذي يحيط بالبرنامج النووي الإيراني, فضلا عن أن احتمال تطوره لاحقا إلي برنامج عسكري من شأنه يزيد المخاطر علي الأمن والاستقرار الإقليمي عامة وأمن الدولة التركية خاصة. هذه المتغيرات السبعة التي تحيط بدعوة إيران العودة للمفاوضات تعني أن إيران التي نجحت في الأعوام الخمسة الماضية في استهلاك الزمن عبر الاقتراحات والمبادرات المختلفة سواء تحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو من خلال اجتماعات جنيف التي تكررت خمس مرات, فإنها تسعي في الوقت الراهن لتطوير هذا الاسلوب عبر دمج أو إلحاق دولة تركيا الجارة لها في صلب التفاوض مع الغرب, بغية أن يكون هناك نوع من المعادلات الجديدة لهذه المفاوضات بغض النظر عن احتمال نجاحها من عدمه, وهو الأمر الذي يعتبره محللون أوروبيون ليس سوي مناورة ذكية لا أكثر ولا أقل. المتغيرات السبعة المشار إليها, وكما هي وثيقة الصلة بالسياسة الإيرانية, فإنها امتداد لبعض عناصر التغير في السياسة التركية نفسها, لاسيما مبدأ صفر نزاعات, والتي يعني ببساطة شديدة إنهاء الخلافات التي تكون تركيا طرفا مباشرا فيها, والقيام بمبادرات لمنع تفاقم الصراعات والنزاعات بين الدول المجاورة للدولة التركية, وبما يهدد المصالح التركية نفسها, غير أن الاستطراد هنا مطلوب بشدة, فالقيام بعدد من المبادرات في أكثر من اتجاه بغرض تدعيم الدور التركي, ومساعدة الاطراف المختلفة علي احتواء صراعاتها ونزاعاتها المختلفة, لا يخفي ان هناك نوعا من التنافس الصامت مع إيران, وهو تنافس بين نموذجين في واقع الامر, يستهدف كل منهما الاقليم نفسه, والمساحة والقضايا المتفجرة فيه, وتشمل مجالات التنافس كلا من العراق وجمهوريات آسيا الوسطي الإسلامية التي تشكلت عقب انفراط عقد الاتحاد السوفيتي, وبينما تمارس إيران سياستها الخارجية بطريقة ثورية وتجاهر بمعارضة الغرب, وتمد يدها إلي قوي المعارضة السياسية تستند السياسة التركية إلي القوة الناعمة, وتطرح نموذج التعاون مع الحكومات في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية, فضلا عن كونها وثيقة الصلة بالسياسات الغربية بوجه عام. وتبدو صعوبة المهمة بالنسبة لتركيا في كون إيران في حالة صدام مع الغرب بوجه عام, ومع الولاياتالمتحدة بوجه خاص, في حين أن مصالح تركيا الكبري وتحالفاتها التاريخية هي مع الغرب والولاياتالمتحدة, وهو ما تجسده عضويتها في حلف الناتو. إن حرص تركيا علي احتواء النزاع الإيراني الغربي/ الامريكي يجد مبرراته في كون تركيا حريصة علي الحفاظ علي التوازن الاقليمي السائد في المنطقة, وعدم الاخلال به بطريقة قد تدفعها إلي الانغماس في عملية سباق تسلح قد تضر بمسارات التنمية التي حققت فيها تركيا انجازات كبري في السنوات العشرة الماضية, ويأتي ذلك في ظل إدراك تركي بأن التوازن الاقليمي القائم يتمير بالحساسية الشديدة لأية تغيرات في الموازين العسكرية التقليدية, وفوق التقليدية, ومن هنا فهي ترفض امتلاك أية قوة في المنطقة أسلحة نووية, وتعتبرها تهديدا خطيرا لامنها الذاتي, كما هو تهديد للاستقرار الاقليمي ككل. وبرغم عدم وجود دليل قاطع ينفي عن إيران نية السعي لامتلاك أسلحة نووية, فإن أنقرة تدافع عن حق إيران في امتلاك برنامج نووي سلمي, ولكنها تربط ذلك بضرورة الاستمرار بالحوار بين طهران والقوي الغربية من أجل تبديد كل الشكوك لدي الغرب, وانهاء المشكلة سلميا, وكثيرا ما يبدي المسئولون الاتراك قلقهم من انقطاع الحوار والمفاوضات الإيرانيةالغربية. واستنادا إلي أولوية احتواء النزاعات ومصادر الصراع المحيطة بتركيا, سعت تركيا في العامين الماضيين إلي تقديم عدة مبادرات من شأنها أن تجعل مبدأ الحوار والتفاوض هو الأسلوب الوحيد للتوصل إلي حل يرضي كلا من إيران والغرب معا, ومن هنا جاء الالحاح التركي علي الاستمرار في المفاوضات بين إيران والغرب, ثم القيام بمساع للتوصل إلي صيغة مقبولة تخص عملية تبادل الوقود النووي بين إيران والغرب تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية, وتعد المبادرة التي اشتركت فيها تركيا مع البرازيل في مايو0102 لوضع صيغة لتبادل الوقود النووي هي الأكثر وضوحا في هذا الصدد, ونظرا لان الوصول إلي هذا الاتفاق لم يكن مقبولا من الغرب, وجاء قبل فترة وجيزة للغاية من إقرار عقوبات دولية في مجلس الأمن علي إيران, فقد تعامل الغرب بقيادة الولايات مع الاتفاق الثلاثي باعتباره كأن لم يكن, أو في أفضل الأحوال أنه مسعي لكسب الوقت بالنسبة لايران ولوقف العقوبات التي كانت قد شهدت زخما كبيرا بفعل الضغوط التي مارستها الولاياتالمتحدة علي كل أعضاء مجلس الأمن آنذاك. وقد أظهر الموقف الغربي أنه غير راض علي السياسة التركية إزاء إيران, خاصة أن انقرة امتنعت عن التصويت علي العقوبات التي اقرها مجلس الأمن في9 يونيو0102, وكثيرا ما أكدت تركيا أنها ضد العقوبات كسياسة, وأن المسار الأفضل هو الدبلوماسية, لأن العقوبات ببساطة هي سياسة عقيمة تضر الشعوب, ولا تنهي نزاعا أو صراعا وفقا لتأكيدات رئيس الوزراء اردوغان, غير أن التزام تركيا بالشرعية الدولية لا يترك لها خيارا آخر في الالتزام بهذه العقوبات إذا ما صدرت عن الاممالمتحدة, وصار الالزام الجماعي, وهو ما صرح به أحمد داود أوغلو في52 يوليو0102 بأن بلاده ستلتزم بالعقوبات التي يفرضها مجلس الأمن الدولي علي إيران إذا كانت تلك العقوبات ملزمة. المزيد من مقالات د. حسن أبو طالب