تثير عودة اليمين الامريكي المحافظ بعد فوزه في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس تحديا جديدا امام عملية السلام ومستقبل الدور الامريكي وحدوده في عملية السلام وفرص أوباما في إنجاح المفاوضات المباشرة. والتي تواجه عثرات عديدة قبل أن تبدأ. فالمؤشرات تشير إلي أن الفترة المقبلة ستشهد تراجعا واضحا في الآمال المنعقدة علي أوباما في امكانية تحريك عملية السلام لأن طموح أوباما بإعادة انتخابه لفترة ثانية مرهون بشكل اساسي بما سيحرزه من إنجاز علي هذا الصعيد الداخلي ومعالجة الاوضاع الاقتصادية وهوما سيدفعه إلي التركيز في العامين المقبلين علي معالجة القضايا الداخلية, وانحسار اهتمامه علي المستوي الخارجي فقط في البؤر الملتهبة خاصة اتمام الانسحاب الآمن من العراق ومواجهة تنظيم القاعدة وطالبان في افغانستان وحسم قضية جنوب السودان عبر الاستفتاء, بينما ستتراجع عملية السلام من الاجندة الامريكية. كما أنه في ظل صعود اليمين المحافظ الحليف القوي لإسرائيل من الصعب علي أوباما أن يمارس أي ضغوطات علي حكومة نيتانياهو لكي تقدم تنازلات مؤلمة بشأن عملية السلام, خاصة فيما يتعلق بتجميد الاستيطان أو إقامة الدولة الفلسطينية, فرغم أن الدستور الامريكي يعطي سلطات هائلة للرئيس بشأن قضايا السياسة الخارجية, إلا أن مجلس النواب الذي يسيطر عليه اليمين سوف يعيق تمرير العديد من مشروعات أوباما الإصلاحية في المجال الداخلي لوقف ضغوطه علي إسرائيل, ومن ناحية أخري فإن اللوبي اليهودي يمارس تأثيرا كبيرا داخل مجلس النواب في ظل التركيبة الحالية لأعضاء الحزب الجمهوري وحركة حزب الشاي الاكثر تأييدا للصهيونية, وبالتالي توظيف هذا التأثير للضغط علي أوباما عبر مجلس النواب لزيادة دعمه للموقف الاسرائيلي إزاء المفاوضات المباشرة. إضافة لذلك فإن المستفيد الاكبر من الهزيمة التي تعرض لها أوباما وحزبه هو الحكومة الاسرائيلية بزعامة نيتانياهو, حيث أصبح أوباما في نظرهم كالبطة العرجاء, وبالتالي تقل قدرته في فرض أي ضغوط يمارسها عليها مثلما حدث من قبل في قضية تجميد المستوطنات, كما انها ستستغل انشغال أوباما بالقضايا الداخلية للاستمرار في فرض سياسة الأمر الواقع واستئناف الاستيطان وتهويد القدس وحصر عملية السلام في إطار الجهود الدبلوماسية التي يقوم بها المبعوث الامريكي ميتشل بين الاطراف المختلفة دون أن تفضي إلي تقدم حقيقي علي الأرض, مع وضع شروط تعجيزية للمفاوضات المباشرة من قبيل اشتراط اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة اسرائيل وعدم وقف الاستيطان وغيرها. وحتي لو أراد أوباما أن يطلق مبادرة حقيقية لتحريك عملية السلام وإنجاز تسوية تاريخية تعزز من موقفه وتعويض تباطء اصلاحاته الداخلية, فسوف تواجهه العديد من العقبات والتحديات, فإضافة إلي يده المغلولة في الضغط علي إسرائيل, فإنه سوف يتفرغ تماما بعد عام لحملته الرئاسية الثانية وبالتالي من الصعب تحقيق تلك التسوية في عام واحد, وهو أمر فشل فيه الرؤساء الامريكين السابقون, ولذلك فإن المراهنة علي دور أمريكي فاعل في عملية السلام في المدي القصير هو أقرب إلي الأمنيات, حيث أن سقف وحدود التحرك الامريكي طوال العقدين السابقين لم يتجاوز نطاق المبادرات الدبلوماسية والأقوال, كما أنه مرهون بمدي استعداد الحكومة الاسرائيلية ذاتها في تقديم تنازلات جوهرية, وهو أمر صعب المنال في ظل حكم التحالف اليميني الديني المتطرف, والذي اقصي مايمكن أن يقدمه هو السماح بالتحرك الامريكي الدبلوماسي علي مسار السلام, مقابل زيادة التصعيد الامريكي ضد إيران لوقف برنامجها النووي. وهنا يبرز التساؤل إلي متي يظل العرب يراهنون علي نتيجة تفاعلات النظام الامريكي وهل سينتظرون فترة أوباما الثانية, والتي تبدو بعيدة مع إصرار الجمهوريين علي اسقاطه, لكي يتحرر من ضغوط اللوبي اليهودي والضغط علي اسرائيل لاقامة الدولة الفلسطينية كما فعل كلينتون؟ فالوقت ليس في صالح القضية الفلسطينية,, خاصة في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني الفلسطيني والتعنت الاسرائيلي وتهويد القدس واقامة المستوطنات وتكرار لعبة الدور الامريكي المرهون بوجود الرئيس أو ماهية الحزب في سدة الحكم. وبالتالي فإن صعود اليمين الامريكي المحافظ لايمثل فقط جرس إنذار وتحديا لأوباما بقدر مايمثل رسالة واضحة للدول العربية والفلسطينيين بضرورة البحث عن مخرج حقيقي من المأزق الذي تعيشه القضية الفلسطينية في أجواء تشير إلي أن المفاوضات المباشرة التي انطلقت في سبتمبر الماضي برعاية امريكية, سوف تدخل مرحلة الكمون, وأنها ستظل تتراوح بين المطالب الفلسطينية بوقف الاستيطان والمماطلة الاسرائيلية حتي تنتهي فترة العام وينشغل أوباما بحملته الرئاسية. ولذا هناك حاجة الآن لتطوير بدائل عربية للتعامل مع هذه التغيرات الجديدة, ربما يكون أهمها تفعيل خيار اللجوء الي مجلس الأمن لإعلان الدولة الفلسطينية وطلب عضوية كاملة لها بالأمم المتحدة بل يمكن اللجوء للجمعية العامة تحت قرار الاتحاد من اجل السلام لإعلان الدولة الفلسطينية وهناك تأييد كبير من جانب دول العالم الثالث, وهذا الخيار, وإن وجه بصعوبات الفيتو الامريكي, إلا أنه يمثل ورقة ضغط فلسطينية علي حكومة نتيانياهو لاتخاذ خطوات جدية لإنجاح المفاوضات المباشرة, لكن نجاح هذا الخيار مرهون بتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام الحالية ووجود رؤية عربية موحدة توظف جميع الاوراق التي يمتلكها العرب, وإلا فإن المراهنة فقط علي الدور الامريكي وتقلباته ستكون كمن يري الماء في الصحراء ويكتشف في نهاية المطاف أنه مجرد سراب.