سوف نحاول في هذا المقال الإجابة عن عدة تساؤلات. التساؤل الأول: ما هو مفهوم الوعي الاقتصادي لدي المواطنين؟.. التساؤل الثاني: هل يوجد وعي اقتصادي لدي المواطنين في مصر, والي أي مدي؟.. التساؤل الثالث: ما هي الآثار السيئة المترتبة علي عدم وجود وعي اقتصادي لدي المواطنين؟.. التساؤل الرابع والأخير: كيف يمكن إيجاد وتفعيل وتقوية الوعي الاقتصادي لدي المواطنين, وما تأثير ذلك علي عملية التنمية المستدامة؟ يقصد بالوعي الاقتصادي للمواطنين أن يعرف المواطنون ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات تتعلق بالجانب الاقتصادي, ومن أمثلة الحقوق الاقتصادية: حق المواطن في الحصول علي فرص متكافئة مع جميع المواطنين, ويبدو ذلك جليا في مجال حق المواطن في الحصول علي فرصة عمل.. وحق المرأة في المساواة بالرجل في ميادين الحياة الاقتصادية... حق المواطن في تلقي التعليم في مؤسسات الدولة بالمجان... حق العامل في الحصول علي نصيب من أرباح المشروعات.. حق المواطن في التملك دون قيام الدولة بفرض الحراسة علي الملكية الخاصة أو تأميمها أو مصادرتها إلا بحكم قضائي.. حق المواطن في الهجرة الدائمة أو الموقوتة الي الخارج بحثا عن العمل.. حق العامل في الحصول علي معاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة. ومن أمثلة الواجبات الاقتصادية: العمل وتجويده.. المحافظة علي الملكية العامة وحمايتها ودعمها... سداد ما يستحق علي المواطن من ضرائب, أداء التكاليف العامة... عدم الغش بأنواعه المختلفة( تجاري, صناعي, موازين, مواصفات)... عدم استغلال الدعم الذي تقدمه الحكومة للمواطنين... عدم إنجاب عدد كبير من الأبناء( زيادة عن ثلاثة).... عدم المبالغة في الإنفاق الاستهلاكي الترفي... تبرع القادرين بمبالغ تتناسب مع دخولهم لمساعدة غير القادرين ولا سيما في مجال دعم المستشفيات المجانية.. القضاء علي أوجه الفقد المختلفة ولا سيما في مجال مياه الشرب. وننتقل الآن الي إجابة عن التساؤل الثاني وهو: هل يوجد وعي اقتصادي لدي المواطنين في مصر؟. الواقع أن الوعي الاقتصادي لدي المواطنين في مصر ضعيف جدا. ويبدو ذلك في جانب الواجبات أكثر منه في جانب الحقوق. وفيما يلي بعض الأمثلة: انخفاض عدد ساعات العمل الفعلية وليس مجرد الوجود الجسماني في مكان العمل.... عدم الاهتمام بإتقان العمل وتجويده... عدم المحافظة علي الملكية العامة بل وتخريبها في بعض الأحيان كما يحدث في وسائل المواصلات العامة... التهرب الضريبي بل والتباهي بذلك... الغش التجاري الذي انتشر في السنوات الأخيرة وعدم الإكتراث بالحديث الشريف الذي يقول من غشنا فليس منا... استغلال الدعم الذي تقدمه الحكومة للمواطنين ولعل أوضح مثال علي ذلك الخبز المدعم الذي يستخدم كعلف للماشية وفي مزارع الدواجن... مبالغة القادرين في الإنفاق الاستهلاكي الترفي.. إنجاب عدد كبير من الأبناء( أكثر من ثلاثة) علي الرغم من عدم توافر الإمكانيات المادية للإنفاق عليهم وبصفة خاصة في مجال الصحة ومجال التعليم... ضعف التبرعات التي يسهم بها القادرون. ونصل الآن الي التساؤل الثالث عن الآثار السيئة المترتبة علي عدم وجود وعي اقتصادي لدي المواطنين. من الناحية السياسية فإن عدم مشاركة الغالبية من المواطنين في انتخاب السلطة التشريعية قد يؤدي الي وصول عدد كبير الي مقاعد البرلمان من ذوي الاتجاهات السياسية الهدامة, الأمر الذي يجعل المواطنين الذين لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات يندمون علي ذلك ولكن لاينفع هذا الندم, وبطبيعة الحال فإن نفس الشيء ينطبق علي الانتخابات الرئاسية. ومن الناحية الاقتصادية فإن التهرب الضريبي والغش التجاري والصناعي وسوء إستخدام الدعم الذي تقدمه الحكومة, وإنجاب عدد كبير من الأبناء, والمبالغة في الإنفاق الاستهلاكي الترفي, والإسراف في إستخدام مياه الشرب والكهرباء, إلخ, كل هذا يعوق عملية التنمية ويؤدي الي تأخر مركزنا التنافسي بين دول العالم. ومن الناحية الاجتماعية فإن عدم كفاية التبرعات التي يقدمها القادرون لغير القادرين يؤدي الي تعميق سوء توزيع الدخل القومي وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء, والنتيجة الحتمية لذلك انتشار الحقد في المجتمع. ونود أن نشير في البداية الي أن خلق الوعي الاقتصادي لدي المواطنين لايمكن أن يتم بالتشريعات. فلا يعقل مثلا أن يصدر قانون يجبر المواطنين علي عدم إنجاب أكثر من ثلاثة أبناء.. ولا يعقل مثلا أن يصدر قانون يلزم القادرين علي التبرع بمبالغ معينة من دخولهم.. وهكذا. ولكن من جهة أخري يمكن الإستعانة بالتشريعات وما تتضمنه من عقوبات للقضاء علي بعض السلوكيات التي تضر المجتمع مثل التهرب الضريبي والغش التجاري والصناعي. وفي تقديرنا أن هناك ثلاث آليات لإيجاد الوعي الاقتصادي لدي المواطنين. الآلية الأولي وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة وتليفزيون.. والآلية الثانية دور العلم من مدارس ومعاهد وجامعات.. والآلية الثالثة والأخيرة دور العبادة من مساجد وكنائس.. إن إستخدام هذه الآليات الثلاث لنشر الوعي الاقتصادي بين المواطنين يجب أن يتم بأسلوب علمي وليس بطريقة الوعظ والإرشاد حتي لا تأتي بنتائج عكسية, إنني أعلم وعلي يقين أن هذه الآليات الثلاث لن تجعل المجتمع المصري المدينة الفاضلة( يوطوبيا) ولكنها يمكن أن تنقل المجتمع المصري من مرحلة اللامبالاة وعدم الإكتراث وعدم التعاون مع الآخرين والسلبية الي مرحلة المواطنين الصالحين الذين يعرفون حقوقهم ويطالبون بها, ويعرفون واجباتهم ويؤدونها.