اقتناص الفرص الصغيرة يقودنا بشكل أسرع من الانتظار الي الفرصة الكبيرة.. هذه المقولة قالها احد المفكرين الاوروبيين اسمه هوج اكن وتتوافق تماما مع الفرصة المتاحة اليوم للنساء للمشاركة السياسية الفاعلة. القانون الذي اقره مجلس الشعب عام2009 بتخصيص64 مقعدا إضافيا للمرأة في البرلمان بمبادرة من السيد رئيس الجمهورية, أحدث ضجة كبيرة علي المستوي الاعلامي حيث انقسم الناس الي فريقين فريق مؤيد وفريق معارض.. ولم يكن الفريق المؤيد كله من النساء, ولم يكن الفريق المعارض كله من الرجال.. فالآراء تضاربت, والكثيرون رفضوا القانون لاعتقادهم انه يتنافي مع الدستور, أو أنه يعكس عدم الثقة في قدرة المرأة علي النجاح في الانتخابات بمفردها مما يحرمها بالتالي من المنافسة الحقيقية, أو لتخوف البعض من عدم توافر الكفاءات الكافية في عدد المتقدمات للترشيح, فيتم اختيار سيدات غير ذات كفاءة لإكمال العدد المطلوب. ظهر هذا التضارب في الآراء في وسائل الاعلام المختلفة في الاسابيع القليلة التي اعقبت صدور القرار, وقام المرصد الاعلامي التابع للمجلس القومي للمرأة برصد وتحليل المادة الاعلامية التي عالجت قضية الكوتا النسائية في الفترة من1 يونيو2009 حتي18 يونيو2009 بهدف التعرف علي مؤشرات اتجاهات الرأي العام كما برزت في وسائل الاعلام. وفي جلسة عقدت أخيرا بالمجلس القومي للمرأة ورأستها د. فرخندة حسن الأمين العام للمجلس تم استعراض نتائج التقرير النوعي لوحدة المرصد حول المعالجة الاعلامية لقضايا المرأة والمشاركة السياسية, والذي قدمته د.ايناس ابو يوسف استاذ مساعد بكلية الاعلام والمستشار الفني لمشروع المرصد الاعلامي, أعقب العرض مشاركة فاعلة من الحاضرين من نائبات في مجلسي الشعب والشوري واعلاميين واعلاميات والمستشار عدلي حسين محافظ القليوبية ود. سامي الشريف عميد كلية الاعلام بالجامعة الحديثة ود. سحر حجازي مسئولة باليونسيف وهي المنظمة التي قامت بتمويل المرصد وسوزان حسن مقررة لجنة الثقافة والاعلام بالمجلس, وظهر واضحا من المناقشات ان كثيرا من الرافضين لقانون الكوتا لايزالوا علي رفضهم لاعتقادهم انه يتنافي مع الدستور وحقوق المواطنة ويتعارض مع النصوص الدينية وتشوبه شبهة الاجندة الاجنبية او لمجرد ان هذه المجموعة مازالت نظرتهم دونية للمرأة ولايؤمنون بقدرتها علي التواجد في البرلمان واداء دورها الحقيقي لأن طبيعتها تحول دون ذلك, في حين أن كل هذه الذرائع ليست حقيقية.. فالقانون لايخل بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص حيث ان المادة62 من الدستور التي تم تعديلها عام2007 نصت علي أنه يجوز للمشرع ان يضع حدا أدني لتمثيل المرأة في المجالس النيابية سواء مجلس الشعب أو الشوري ليضمن التمثيل المشرف لها في البرلمان لاثراء العمل السياسي وانجاح تجربة الديمقراطية, وبذلك تكون هذه التعديلات بعيدة كل البعد عن شبهة عدم الدستورية.. كما أن القانون لايتناقض مع المادة40 من الدستور التي تنص علي انه لاتمييز بين المواطنين بسبب الجنس او النوع او الدين لان النسبة التي تم تحديدها قليلة للغاية بالاضافة الي أن هذه الحصة تتوافق مع الاتفاقية الدولية الخاصة بالقضاء علي جميع اشكال التمييز ضد المرأة( السيداو) والتي وقعت عليها مصر عام1979 والتي تقر مبدأ التمييز الايجابي المؤقت علي طريق نظام الكوتا, وتأخذ به دول عربية كثيرة. اما بالنسبة للجانب الديني, فان حقوق المرأة أقرها الدين الاسلامي وتتضمن الحقوق السياسية وبالتالي لايوجد تعارض مع الدين في شئ. ثم نأتي الي الرأي المعارض الذي يقول ان هذه الفكرة مستوردة من الخارج فنقول انها غير صحيحة لأن هذا النظام مطبق في162 دولة ومنها دول عربية واسلامية. اما عن النقد المعارض الذي يري ان هذه المقاعد تنتقص من حقوق الرجال فهو ايضا غير صحيح لأن ال64 مقعدا مقاعد اضافية علي العدد الاصلي لاعضاء مجلس الشعب,وبالتالي لاتنتقص من حقوق احد. المؤيدون يقولون وعلي صعيد آخر نجد ان المؤيدين للقانون ركزوا علي ان هذا الحق أصيل للمرأة المصرية ولايتنافي مع الدستور, وان الواقع الانتخابي في مصر فرض هذا القانون, وان المرأة المصرية مؤهلة تماما لممارسة حقها النيابي في التمثيل في البرلمان, واكدوا أن نظام التمثيل النسبي للنساء معترف به وموجود في جميع انحاء العالم, وطالبوا الاحزاب والقوي السياسية بالاختيار الجيد ودعم المرشحات وركزوا علي دور المجلس القومي للمرأة في اعداد القيادات النسائية لخوض الانتخابات والمشاركة السياسية. وفي النهاية لايسعنا إلا أن نقول ان قانون رفع نسبة تمثيل المرأة بالمجالس النيابية خطوة مهمة في مجال التطور الديمقراطي, ودفعة علي طريق الاصلاح السياسي حيث انه يتيح لها الفرصة لخوض العملية الانتخابية دون اي مشكلات يمكن ان تواجهها.. ولكي يتحقق هذا مطلوب من وسائل الاعلام المختلفة العمل علي تغيير الثقافة السائدة في المجتمع والتي تنظر لمشاركة المرأة في العمل السياسي علي أنها أمر غير مطلوب, وتقديم نماذج مشرفة للنائبات وابراز مشاركتهن في جلسات المجلسين والمداخلات التي يقمن بها للدفاع عن حقوق ابناء دوائرهن, واستضافتهن في البرامج الحوارية ليس للتحدث عن مشاكل وقضايا خاصة بالنساء فقط,ولكن للتحدث في كل القضايا العامة والتركيز علي المضمون الحقوقي كحق دستوري,وتوضيح ان هذا التمييز الايجابي مؤقت لفترة محددة بدورتين فقط,والتركيز علي الدور الذي يمكن ان تلعبه القيادات المحلية, وقصور الثقافة وهيئة الاستعلامات في تهيئة الرأي العام لمشاركة المرأة في العمل السياسي خاصة مع اقتراب انتخابات مجلسي الشعب والشوري,لأن المهارة وحدها لاتكفي بدون اتاحة الفرص لابرازها.. فالمشاركة السياسية المرأة اليوم اصبحت امرا ايجابيا بل وحتميا مهما اختلفت الآراء وتناقضت حول قضية الكوتا النسائية لذلك ينبغي عليها ان تسير قدما في حقل العمل السياسي وتضع اقدامها راسخة في دروبه.