أشرت من قبل في بريد الأهرام إلي بحث قام به الكاتب والباحث الأمريكي لاري دايموند عن أسباب غياب الديمقراطية في المنطقة العربية علي اتساعها, علي الرغم من الزيادة المضطردة في اعداد الدول التي تنتهج الديمقراطية في العالم. منذ مطلع القرن العشرين حتي وصل الرقم إلي ما يقرب من117 دولة, أي ثلاث من كل خمس دول. وكان الباحث قد وضع عدة افتراضات في محاولة منه لتفسير هذه الظاهرة بدءا بالاسلام والثقافة المرتبطة به, مرورا بالفقر الذي يسود الكثير من الدول العربية, وصولا الي الانقسامات العرقية والطائفية..الخ والتي فشلت جميعها في تفسير غياب الديمقراطية, فكثير من الدول خارج المنطقة العربية لم تمنعها نفس الظروف من المضي في هذه الظاهرة من وجهة مختلفة, فهل يرجع السبب في تأخرنا عن اللحاق بهذا الركب الي اننا نحن العرب نكره الديمقراطية ولا نميل اليها! ربما لا نميل اليها لانها ترفض التمييز بين البشر وتهز عصبياتنا وتصحح انتماءاتنا لبعدها الانساني لانها تقول ان كل مواطن متساو مع الآخر دون النظر الي جنسه ودينه وقوميته والطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها, فهل نقبل بأن نكون جميعا( أولاد تسعة) أم ان هناك من يعتقد أنه ابن الست, وغيره ابن الجارية! ومن يري الآخرين مجرد حشرات تستحق الدهس والتنكيل! وهل يرفض بعضنا الديمقراطية لأن هناك من ملأ أدمغتنا بانها بدعة غربية أو منتج استعماري لا يتفق مع ثقافاتنا ويضر تراثنا, دون ان نعلم أنه في المناخ الديمقراطي يمكن أن يتوافر لدينا افضل الفرص لتعزيز خصوصيتنا الثقافية من خلال حرية مقارنتها بثقافات الآخرين. يبدو أن هناك من نجح في جعل كسرة الخبز لدي الكثيرين اهم من الحرية, والبحث عن لقمة العيش اهم من إضاعه الوقت والجهد في قضايا المشاركة والحقوق السياسية. انهم يبغضون الديمقراطية لانها تعلم احترام الرأي المختلف وحب الصراحة والنقد فأي عناء ان نفتش عن وجع الرأس, عن أجواء الصدق. عمن ينكأ لنا جروحنا ويذكرنا بقسوة ما نحن فيه ؟ الم ندمن الزيف والخداع, ونرفض الصادق اذا صدق ونصفق للمداهن والمنافق مادام يريح دواخلنا نوازع الغرور ويغذي وهم التطلع نحو الكمال ويطرب أرواحنا بعبارات المديح والنفاق! وهل نكرهها لاننا نخشي أن تفضح ما نحن فيه وأن تكشف لنا عيوبنا أو امراضنا وتشجع علي تسمية الاشياء باسمائها لنقول عن بؤسنا انه بؤس وعن هزائمنا المتكررة انها هزائم اليست انتكاسات, بينما اعتدنا أن نخاف من تسمية الداء ولا نري او لا نريد أن نري في هزائمنا المتكررة سوي انتصارات, وهل نكرهها ايضا لانها تحاصرنا وتشدنا الي ارض الواقع وتكشف ضعفنا وعجزنا وأخيرا لانها تظهر أرواحنا الخاملة المرتهنة لبعض الأوهام والاساطير الحالمة ربما بالمعجزات وربما بفانوس علاء الدين السحري لكي ينقلنا مارده الجبار من حال الي حال دون علم أو جهد أو تضحية. هذا ليس جلدا للذات بقدر ما هو استبصار لما آلت اليه امورنا حتي لا نعلق مشاكلنا علي الاخرين, وكما قال الشاعر العربي نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا!! د. عماد اسماعيل