حققت إسرائيل هدفا من أهداف سياستها المراوغة عندما أجهضت المفاوضات المباشرة لإمكان حل القضية الفلسطينية. ولم يكن ما أقدمت عليه إسرائيل مفاجأة لأحد, ذلك أن أي مراقب محايد لملابسات انطلاق المفاوضات المباشرة في2 سبتمبر الماضي في واشنطن, كان يدرك إنها سوف تنهار بسبب الشروط المتعنتة التي تطالب بها إسرائيل ومنها ضرورة اعتراف الفلسطينيين بما تسميه يهودية دولة إسرائيل. وكان مما يثير الدهشة في الموقف الإسرائيلي أن كبار المسئولين فيها أكدوا قبل بدء المفاوضات المباشرة, أنه لن يتم تمديد تجميد الاستيطان في الضفة, وكان هذا ما دفع الفلسطينيين الي إعلان أن عدم تمديد تجميد الإستيطان يعني عدم إمكان استمرار المفاوضات, إذ كيف يمكن أن تستمر المفاوضات, بينما تستأنف إسرائيل البناء في المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة؟ ناهيك عن مواصلتها تنفيذ مخطط تهويد القدسالشرقية, ومن ثم كان من المتوقع أن تمارس أمريكا ضغطا علي إسرائيل حتي تقرر تمديد تجميد الاستيطان, لكن أمريكا, اتخذت موقفا متأرجحا لا ينم عن ممارستها أية ضغوط علي اسرائيل. وكان هذا واضحا عندما رفضت إسرائيل تمديد تجميد بناء المستوطنات, بل إنها شرعت منذ اللحظة الأولي في نهاية مهلة التجميد, في عمليات البناء الاستيطاني, بينما كانت المفاوضات المباشرة مستمرة.. وكأن هذا الموقف الإسرائيلي يعني أنها تزج بالمفاوضات في النفق المظلم للانهيار. والواقع أن إسرائيل كانت قد عقدت العزم علي إفشال المفاوضات, عندما ألقي وزير خارجيتها أفيجدور ليبرمان كلمة إسرائيل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم27 سبتمبر. فقد دعا إلي حل ما سماه القضية الإيرانية قبل حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني, وأشار الي أنه لا يمكن تحقيق السلام في المرحلة الحالية, وتحدث عن ضرورة ما سماه التبادل السكاني بين المستوطنين وفلسطينيي48. وكان أغرب ما في الموقف الإسرائيلي المراوغ أن يقول نيتانياهو أن خطاب وزير خارجية إسرائيل لا يمثل حكومته!! وهذا يمثل مرحلة غريبةمن المراوغة الإسرائيلية وهذا ما يتعين علي كل القوي المعنية بإقرار السلام في الشرق الأوسط أن تدركه.