مع سبق الإصرار والترصد, وبسيناريو معد سلفا, حققت إسرائيل, بمساندة أمريكية, انطلاق المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين في واشنطن. ولم تكن الأجواء السياسية صافية. فقد كانت ملبدة بغيوم شروط إسرائيل التي جاهرت بها قبل المفاوضات, ومن أبرزها ضرورة اعتراف الفلسطينيين بما يسمي يهودية دولة إسرائيل. كما تعمدت التلويح بل, والتصريح بأنه لا تفكير في تمديد مهلة تجميد الاستيطان. وكان من الطبيعي والمنطقي أن يعلن الفلسطينيون أن عدم تمديد تجميد الاستيطان يعني توقف المفاوضات. ومن ثم, تعمدت إسرائيل استئناف الاستيطان فور انتهاء المهلة, وحققت بذلك هدفا من أهداف السيناريو الإسرائيلي المعد سلفا. وأمعنت في مواقفها المتشددة, وأعلنت استعدادها لتمديد جزئي للاستيطان في الضفة المحتلة لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر, مقابل اعتراف الفلسطينيين بما يسمي يهودية دولة إسرائيل.. وفي الوقت نفسه, أقرت الحكومة الإسرائيلية قانون المواطنة الذي يحتم علي غير اليهود الإدلاء بقسم الولاء لإسرائيل, باعتبارها دولة يهودية. وبهذا يتضح السيناريو الإسرائيلي لكل من يعنيه الأمر بشأن إقرار السلام في الشرق الأوسط, وهو سيناريو يؤكد, عبر الإجراءات والتصريحات الإسرائيلية, أن المستوطنات في الضفة المحتلة, وتهويد القدسالشرقية, هما الهدف.. أما السلام, فلا بأس من التحاور حوله, بشرط ألا يتجاوز الأمر التحاور أو المباحثات في حد ذاتهما. وقد اضطلع أفيجدور ليبرمان, وزير خارجية إسرائيل, في إطار السيناريو, بدور المعبر عن عدم الاعتقاد بأن المفاوضات سوف تحقق أي تقدم. ولذلك لم يحضر حفل إطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن, ثم أكد عدم أهمية المفاوضات في كلمة ألقاها باسم إسرائيل أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.وهكذا, دفعت إسرائيل بالمفاوضات مع الفلسطينيين في النفق المظلم للمستوطنات, وتسعي الآن للإجهاز علي أي أمل في إمكان استئنافها. وليس أدل علي ذلك من قرار بناء وحدات استيطانية جديدة في القدسالشرقية, في إطار المخطط الذي يستهدف تهويدها.لم يعد ممكنا في ضوء قرارات إسرائيل التي تعرقل السلام, أن يتحدث أحد عن رغبة إسرائيلية حقيقية في التفاوض مع الفلسطينيين. ولذلك, فإن المجتمع الدولي, خاصة الدول الفاعلة والمؤثرة والمعنية بالسلام في المنطقة, مطالبة بمؤازرة الفلسطينيين ودعم حقوقهم العادلة والمشروعة.