الاعتقاد السائد لدي غالبية المراقبين السياسيين يشير إلي أن فرص النجاح محدودة أمام المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية المباشرة المقرر أن تشهدها واشنطن في مطلع الشهر القادم. هذه الرؤية التشاؤمية لها ما يبررها خاصة في ضوء تصريحات ومواقف المسئولين الاسرائيليين التي تثير كل الشكوك حول صدق نواياهم وحقيقة أهدافهم. فقد رفض رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتماد أي مرجعية لهذه المفاوضات باعتبار ذلك شروطا مسبقة !! وفي نفس الوقت وضع العديد من الشروط المسبقة أمام الفلسطينيين تشمل الالتزام بترتيبات امنية والاعتراف باسرائيل كدولة يهودية ونزع سلاح الدولة الفلسطينية وان يلتزم الفلسطينيون بان هذه المفاوضات هي نهاية المطاف بمعني أنهم لن يحق لهم بعد ذلك مطالبة إسرائيل بأي شيء من حقوقهم التي ربما لا يحصلون عليها في مفاوضات واشنطن. كما رفض نتنياهو أي التزام بوقف الاستيطان الاسرائيلي بعد انتهاء فترة التجميد المؤقت لبناء المستوطنات في 26 سبتمبر القادم. هكذا ، وضع نتنياهو لغما او شحنة ناسفة تحت مائدة مفاوضات واشنطن . فقد هدد حزب إسرائيل بيتنا بزعامة وزير الخارجية المتطرف ليبرمان بالانسحاب من الائتلاف الاسرائيلي ، إذا لم يتم استئناف بناء المستوطنات ، وبالتالي تسقط حكومة نتنياهو وتنهار المفاوضات. وفي نفس الوقت سيؤدي قرار إسرائيل باستئناف أنشطتها الاستيطانية إلي انسحاب الفلسطينيين من المفاوضات المباشرة وفي هذه الحالة سوف تصل المفاوضات أيضا إلي حالة الانهيار ! لذلك يحاول الراعي الامريكي الان التوصل إلي حل لهذه المعضلة وهو حل شبه مستحيل لانه يجب أن يرضي أصحاب الحق الفلسطينيين من ناحية واليمين الاسرائيلي التوسعي من ناحية أخري. والرئيس الامريكي أوباما لديه بالتأكيد دوافعه الخاصة للبحث عن هذا الحل المستحيل وأهمها محاولة تحقيق أي نجاح يدعم شعبيته التي انهارت. والسؤال المهم هو .. لماذا تشارك مصر في هذه المفاوضات ؟ الاجابة تكمن ببساطة في حقيقة أن مصر لا تستطيع أن تلتزم بموقف المتفرج إزاء خطوة كهذه ربما تحدد ملامح وتوجهات الصراع الفلسطيني الاسرائيلي خلال المرحلة القادمة. ولا يرجع ذلك فحسب إلي أن غياب مصر عن المشاركة في المفاوضات المقبلة سيكون علي حساب الشعب الفلسطيني الذي ساندته بكل إمكانياتها منذ اغتصاب فلسطين. وإلي جانب ذلك فإن التطورات علي الساحتين الفلسطينية والاسرائيلية لا يمكن اعتبارها قضية إقليمية من وجهة النظر المصرية بقدر ما هي قضية أمن قومي يتعين أن تكون لمصر كلمتها فيما ستنتهي إليه. وهناك الكثير من المقترحات التي يطرحها البعض في إطار تصوراتهم لانهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والتي يمكن أن تؤثر بالسلب علي المصالح المصرية العليا. ومثال علي ذلك ما تسعي إليه إسرائيل من التوصل إلي تسوية مع السلطة الفلسطينية في رام الله بعيدا عن غزة وقضية المعابر والاوضاع علي الحدود المصرية الفلسطينية . وهناك ايضا ما يتردد عن مبادلة الاراضي بين الفلسطينيين وإسرائيل وصولا إلي بعض التصورات الجنونية عن إمكانية توطين الفلسطينيين في مناطق من سيناء مع بعض الترتيبات المريبة علي الحدود !. وإذا كانت إسرائيل تسعي لتصدير المشكلة الفلسطينية إلي الدول العربية وفي مقدمتها مصر فإن المشاركة المصرية في مفاوضات واشنطن تصبح قضية قومية ووطنية ليس فقط من أجل دعم حقوق الشعب الفلسطيني بل أيضا لإحباط أي مخططات مشبوهة تستهدف المساس بأمن مصر القومي ومصالحها العليا.