ينقر على طبلة او علبة صفيح.. اصحى يا نايم.. يطوف بين الأذقة ممسكا بجذع سقط بفعل فاعل من شجرة عفى عليها الزمن. يمسك بالجزع ويلوح به فى الهواء ثم ينزل به على باطن صفيحة لا حول لها ولا قوة.. ضعيفة، متهالكة.. لم يبق منها إلا صوتها.. فتصدر اصواتا تهز الأرجاء.. بفعل تلك الخبطات المتلاحقة .. بينما طفل صغير يمسك بتلابيب جلباب الرجل ويرفع رأسه لأعلى البيوت التى يغطيها الظلام.. فقد تقع عينه على رأس تطل من نافذة أو شرفة.. يتونس بيها فى ظلام الحوارى والأذقة، مع صوت صاحب الجلباب الذى يشدو بلحن فطرى.. كلمات لحنت نفسها بنفسها.. اصحى يا نايم وحد الدايم.. هذه هى صورة المسحراتى التى اخذها التليفزيون ليعطيها لعم سيد مكاوى.. وعمل على تهذيبها بألحانه، وأصبحت أكثر تهذيبا بصوته وبكلمات شاعرنا فؤاد حداد.. ولم يهن على عم سيد ان يتخلى عن شيئين.. الجلباب والطبلة.. وعلى مدى 20 عاما قدم لنا ما يقرب من 130 حلقة للمسحراتى.. وتروح ايام وتأتى ايام.. ويغيب عم سيد مكاوى ومن قبله فؤاد حداد.. ومحاولة هنا ومحاولة هناك.. كلها لم تخرج من عباءة صاحب الجلباب.. لتبقى تراثا نميل إليه بالحنين من حين إلى حين.. وبالتحديد فى شهر واحد كل سنة.. الشهر الكريم. و.. رمضانا جانا.. جانا هذا العام بمفاجأة.. صحت فينا تلك المشاعر القديمة التى كانت تهتز عندما كنا نهيم بصوت عم سيد وكلمات حداد.. مفاجأة هذا العام هى هذا الموسيقار الذى تتيقن من أول نغمة انه لحق بأخر خيط من جيل الكبار.. وراح يغزل ألحانا ويكتشف جوانب موسيقية تؤكد على ان صاحبها يرى ما لا نراه نحن.. اتى بها الينا من أعماق أعماق النفس.. ولم لا وهو الغواص المخضرم فى بحر النغم.. الموسيقار الرائع عمار الشريعى.. الذى جاء ليضيف تراثا على تراث. وكعادته جاء الشريعى متمردا على ما هو سائد.. جئت برؤية مختلفة تماما لرؤية أبويا وعمى سيد مكاوى.. هكذا يتحدث عنه.. وهكذا هم الكبار دائما.. وامتطى الشريعى جواده شاهرا سيف الإبداع ودرع الكلمة.. وراح يكون بألحانه شكل فى الموسيقى.. معتمدا على أشعار جمال بخيت وإخراج أحمد المهدى وسخاء راوية البياضى رئيسة قطاع الإنتاج.. وتمرد الشريعى على الجلباب الذى ألفنا به شكل المسحراتى، وقرر التخلص من الجلباب وارتداء ملابس كاجوال، فتخلص فى الوقت نفسه من فكرة ان "يتشعبط" فى ملابسه هذا الشخص الملاصق دائما للمسحراتى.. ولن يقف الشريعى متخشبا.. وانما سيتحرك ذهابا وإيابا فى شارع المعز.. قد يمسك بيده شخص ما.. لكن لن تلحظه.. فلن تراه.. بعد أن يستخدم المخرج ألاعيب الجرافيك.. ويزيد الشريعى من تمرده عما كان سائدا بإصراره على أن يكون مسحراتى مصرى وليس مسحراتى العرب كما كان عم سيد مكاوى.. فالشريعى يريده مسحراتى يعايشنا ونعيشه.. يريده واحد منا.. انها تجربة فيها كم كبير من الإثارة.. تستحق المشاهدة والاستماع لصاحبها. بقى أن نتساءل: فى عصر لا ينام فيه أحد.. أو يسهرون الليل وينامون النهار.. من الذى سيقوم المسحراتى (عمار الشريعى) بإيقاظه!! نأمل أن يوقظ الضمير النائم.. يوقظ الاحساس المتنبل.. يوقظ حبا دفينا بعد ان تراكمت عليه تلال من الغم والهم.. يوقظ وفاء غاب عن حياتنا.. يوقظ احاسيس تائهة لشخص متعجرف ويضرب بمصالح الناس عرض الحائط.. يوقظ حب العطاء والعمل.. يوقظ الجانب المستنير والمتسامح فى الشهر الكريم.. و... أصحى يا نايم .. وحد الدايم.. وقل نويت الشهر صايم.. ورمضان كريم