إذن نحن نحتاج لمشروع ثقافي يكون أساسا لنهضة مصرية شاملة, ولكن يبقي السؤال.., ما هي ملامح هذا المشروع التي يجب أن يقوم عليها وينطلق منها بات من المؤكد إن إعادة بناء ثقافة المجتمع المصري. أصبحت شرطا ضروريا لنجاح جهود الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي, وهو المدخل الأول للعبور إلي المستقبل وبناء مجتمع حديث, ومن الضروري أن يتزامن بناء هذا المجتمع المتقدم سياسيا, واجتماعيا واقتصاديا, ورياضيا, وفنيا, وعلميا, مع تأسيس حالة ومناخ ثقافي داعم لكل هذه المجالات. فالرؤية الشاملة لمشروع نهضة حقيقية, يجب أن تقوم علي أسس ديمقراطية, وتعددية حزبية واحترام للحريات العامة والشخصية, وقيمة الفرد وحقوق الانسان وحريات التعبير والابداع والانتخاب والاختيار, وحق التصويت, واحترام صناديق الانتخابات وتداول السلطة. بشكل سلمي وديمقراطي, ومثل هذا المجتمع يجب أن يقوم علي احترام مؤسسات المجتمع, الذي يجب أن يكون القانون فيه هو السيد, ويتساوي أمامه المواطنون بما لديهم من حقوق وعليهم من واجبات. مشروع النهضة اذن يجب أن يقوم علي أساس الدولة المدنية الحديثة التي ترعي حريات مواطنيها السياسية والاقتصادية, دولة توازن المجتمع تقوم بدور الحكم, بهذا التوازن الذي يحمي حقوق الفرد وتميزه في الجهد والفكر والانتاج والابداع, دون الافتئات علي حقوق الآخرين, وبذلك تحمي مصالح وحياة الفئات الأكثر ضعفا واحتياجا, لهذا فإن الحديث عن العدل والديمقراطية في دولة مدنية حديثة تكون فيها المواطنة هي المعيار الأول والأخير, ويكون الانتماء للوطن أسبق من أي انتماء آخر هو أحد أهم ملامح مشروع النهضة للدولة المصرية في المستقبل, وذلك كله لا يمكن أن يتحقق الا بمشروع ثقافي يصون ويحمي في إطار دستوري وعقد اجتماعي جديد هذه الملامح والمبادئ التي يجب أن تكون محل اتفاق وإجماع وطني بين كل فئات المجتمع, فالحديث عن دولة ديمقراطية وتعددية حزبية لا يمكن أن ينجح إلا بثقافة مجتمع يؤمن بالرأي والرأي الآخر والاختلاف والتعايش في إطار التنوع, وعدم احتكار الحقيقة وأيضا فإن أمنيات التقدم العلمي والتفوق الرياضي والفني, لن يتحقق الا بمناخ يسمح بحرية البحث العلمي دون قيود, ولا يضع محاذير للابداع ولا تخضع فيه الألعاب الرياضية للتحريم, فأحد شروط النهضة هو إطلاق طاقات الانسان وتحرير إرادته وعقله في حالة ثقافية لا تعرف المصادرة والمنع ومحاكم التفتيش, ولا يمكن أيضا الحديث عن دولة ناهضة الا بثقافة تحمي حقوق المرأة وتساوي بين أبناءالوطن الواحد علي أساس المواطنة الكاملة, وينبغي أن نؤكد أن مشروعنا الثقافي يجب أن يقوم علي فكر التنوير والاستنارة والحداثة, وعلي نقد كل سلطة تخالف سلطة العقل والتفكير المرتكز علي العلم والمنطق, وذلك لمواجهة حالة الجمود والتسلط الفكري السائدة, ومواجهة مدعي امتلاك الحقيقة والتصدي للخرافات وكل ما هو غير علمي, وهو مشروع يجب أن يقوم علي التسامح وعدم التدخل في حياة وشئون الفرد, وحق الانسان في الاختلاف, وهو مشروع ثقافي يعزز قيم الحوار ويرفض الشمولية والقهر, وإدخال الناس في قالب ايديولوجي أو فكري واحد ونبذ العنف والتطرف والمغالاة, ويؤكد ويسعي للحفاظ علي الهوية والذاكرة الوطنية, إن ما نحتاجه في المشروع يجب أن يستند إلي مفاهيم العصر الجديدة, التي اختفت منها المرجعيات القديمة أو الأفكار سابقة التجهيز, فنحن نريد ثقافة تعتمد علي استبعاد الخوف من داخل الإنسان, وتدعو لمباديء الحرية والعقلانية والتغيير والاصلاح وشجاعة استخدام العقل, ثقافة تسعي لتكريم قيم الحياة والحفاظ عليها, وتتصدي لحملات اليأس والاحباط ومعاداة الحياة وقتل الأمل, ولا يمكن بأي حال من الأحوال في هذا السياق قبول دعوات البعض لمخاصمة كل الماضي, فالماضي هو جزء من تاريخنا وتراثنا ولذلك يجب علينا استدعاء كل ما هو مشرق فيه والبناء عليه واستنهاض كل تراث الابداع والفكر الذي بدأه رواد حركة الاصلاح والتطوير والنهضة منذ بدايات القرن العشرين, وإعادة انتاج هذه الثقافة لمواجهة ما يتم إنتاجه من ثقافات التخلف والخرافة, والتصدي لأعداء الدولة المدنية وقيم الدولة الحديثة الذين يحاولون تصوير هذا التوجه بأنه معاد للدين, وهذا غير حقيقي, فالدين وكل الأديان رسالة عظيمة, والدين مكون أساسي في وجدان وتاريخ وتراث شعبنا, وهو بمبادئه السمحة وعظمته كرسالة سماوية طاقة حافزة نحو التقدم والعمل والصدق والابداع وجزء مهم من حضارتنا, وهؤلاء الذين يحاولون تقسيم الناس علي أساس ديني ويستخدمونه لأغراض سياسية هم الذين يسيئون إلي الدين نفسه. إننا يجب أن نسأل أنفسنا, اذا أردنا بالفعل أن نؤسس لمشروع للنهضة المصرية في كل المجالات, أي مشروع ثقافي يجب أن يرافق هذا المشروع الحضاري الكبير, إننا نحتاج إلي حركة ثقافية تدعو إلي تحرير العقل من الجمود والنقل وتتمسك بإخضاع كل الأفكار للحوار والنقد, وقد يكون كل ذلك إجابة علي سؤال الدكتور علي الدين هلال حول حاجتنا لمشروع ثقافي وسياسي للنهضة, وقد يكون من المفيد هنا أن أدعو كل المهمومين بمستقبل البلاد, إلي أن يجيبوا علي هذا السؤال, بطرح رؤيتهم حول ملامح هذا المشروع الذي يجب ألا ينفرد به شخص واحد أو حزب سياسي بعينه, فالقضية مصيرية ويجب ألا يتصدي لها رأي واحد أو رؤية لمجموعة, ويبدو أن إحدي المهام العاجلة في هذا الأمر, أن يسرع تيار الاستنارة لتنظيم صفوفه واستنهاض رموزه, لوضع رؤية وتصور لهذا المشروع الذي يعيد الاعتبار لكل مراحل تاريخنا, ويستكمل طريق بناء المستقبل الجديد الذي يقوم علي عقد اجتماعي يحترم عقل الأمة وتراثها الحداثي. المزيد من مقالات مجدي الدقاق