هذه هي المرة الأولي التي أكتب اليك فيها لأسألك المشورة في طريقة الخلاص مما أعانيه, فأنا علي حافة الانهيار, وقد اسودت الدنيا في عيني, وأشعر باختناق شديد كلما استعدت شريط حياتي منذ أن تعرفت علي حبيبتي التي حولتني إلي إنسان حالم, فقبلها لم أكن أعرف ماذا يعني الحب؟.. ولا ما الذي يشعر به المحبون.. جذبتني إليها برشاقتها وجمال وعمق عينيها.. ورقتها التي لاحدود لها.. وهي انسانة بمعني الكلمة, وذكية ذكاء خارقا.. وبها ما يتمناه كل فتي في فتاته. ولذلك تسابق الجميع للفوز بها, أما هي فلم يلفت نظرها أحد, ولم تحاول الدخول في أي علاقة وتري أن كل العلاقات التي تنشأ بين الشباب بشكل غير شرعي هي علاقات عابرة, ولذلك لم تمنح قلبها سوي مرة واحدة لمن رأت أنه يستحقها. وأنها تميل اليه بعد إصراره علي الارتباط بها.. ورأت أن تعطيه الفرصة لإثبات جدارته بها.. ففرح كثيرا باستجابتها له وسافر إلي الخارج علي وعد بالرجوع في أقرب وقت لإتمام الزواج. ورحت أراقب الموقف والحزن يقتلني, وتأكدت انني لا أمثل لها شيئا برغم محاولتي الدائمة لفت نظرها.. فكرهت نفسي وكرهت هذا الشاب الذي أخذ مني أعز ما تمنيته.. وهكذا صار هو محور حديثها الدائم وتعلقت به, فانطويت علي نفسي اجتر احزاني علي حلمي الضائع. وفي يوم لن أنساه عرفت ان فتاتي أصيبت بانهيار عصبي, ونقلها أهلها الي أحد المستشفيات, فذهبت اليها وحاولت من بعيد أن أعرف الأسباب التي أدت بها إلي هذه الحالة المتردية فسمعتهم يتحدثون عن ان الشاب الذي وعدها بالزواج أنهي كل شيء بالتليفون, وانها لم تتمالك نفسها فسقطت علي الأرض مغشيا عليها من هول المفاجأة.. إذ لم تتخيل يوما أن تكون في هذا الموقف مع من طاردها حتي أحبته, فإذا به يتخلي عنها بمنتهي السهولة. وهنا وجدتها فرصتي, فلم أدعها تفكر في شأنها ومستقبلها, وتقدمت اليها طالبا يدها, فوافقت دون تردد لكي تثبت له انها نسته تماما.. لكن الأمور لم تسر علي النحو الذي تخيلته حيث عاد هذا الشاب مرة أخري الي مصر, وعاود الاتصال بها ورجاها ان تعود اليه لانه لايستطيع الحياة بدونها واذا كان قد اخطأ فيما قاله في التليفون فانه كان خائفا عليها لظروفه الصعبة التي مر بها. ووجدت نفسها في حيرة بيني وبينه, وطال تفكيرها في الأمر, واخيرا طلبت مني فسخ الخطبة قائلة لي انها لا تريد ان تظلمني فقلبها وعقلها وكل حياتها مع هذا الشاب, ولكن انانيتي المفرطة رسمت لي خطة محبوكة لكي أضعها أمام الأمر الواقع ولا تفلت مني, فتظاهرت بالموافقة علي طلبها, ورجوتها ان تقابلني مرة واحدة ستكون هي آخر مرة نلتقي فيها, وحددت لها موعدا جاءتني فيه علي عجل وهي تعتذر بشدة عما سببته لي من ألم نفسي, ولكني مضيت فيما اعتزمته وخدرتها بحيلة قذرة وكنت علي وشك اغتصابها لكي أجبرها علي الزواج مني لكن لم استطع ان افعل ذلك معها لأنني مثالي, وأخاف أيضا ان أفقدها, ومرت ساعة كاملة أفاقت بعدها لتجد نفسها وقد تجردت من بعض ملابسها, وأوهمتها انني اغتصبتها وانني سأكفر عن غلطتي فانخرطت في بكاء مرير, وصارت شاردة الذهن لا تبالي بأي شيء كمن تساق الي الموت, أما أنا فتملكني شعور بالانتصار والفرحة, فها هي بين يدي, ولم أبال بالأسي والحزن الذي ألم بها. وجاءت لحظة الزفاف وفاجأت فتاتي بأنني لم أصبها بسوء فعاودت الانهيار والبكاء, واحسست وقتها بالندالة, لكني تماديت فيما انا فيه, ولم أفكر الا في نفسي, وتحملت الحياة معي صابرة وأنا أحاول استرضاءها لكن هيهات ان ترضي, ومع ذلك عاملتني بكل ادب واحترام ولم ترفض لي طلبا, وانجبت منها طفلين, ولد أحدهما بمرض الشفاء منه نادر لكنه شفي بفضل الله وحسن رعايتها له.. ولم اشاركها في تمريضه أو حتي الاهتمام به, وتستطيع ان تقول اني كنت وغدا معها برغم مواقفها النبيلة معي! ولأسباب لاسبيل لشرحها انقطعت العلاقة الزوجية بيننا وعرفت انها رجعت الي الحديث مع هذا الشاب منذ شهور وهي الصوامة القوامة وتقول انها تحتاج اليه, وقد طلبت مني ان اطلقها لأنها تتمني ان يكون هو زوجها في الاخرة, ونسيت ان اقول لك انها أصيبت بسرطان البنكرياس وهو مرض مميت, وأنا أعلم انها لم تخني فعليا لكنها علي الاقل تخونني معنويا.. انني اعيش حالة اضطراب مستمر ولا أعرف ماذا أفعل؟.. أعلم انك سوف ستقسو علي في ردك لكن هذه هي الحقيقة المرة التي عشتها الي ان وصلت الي ما أنا فيه فأرجوك أخبرني ماذا أفعل في هذه الكارثة التي ألمت بي؟! *الحيرة التي تعيشها والألم النفسي الذي تعانيه أمر طبيعي بعد كل الأخطاء التي ارتكبتها في حياتك ضد إنسانة بريئة مسالمة, كل ذنبها أنها ملتزمة, وتعرف حدودها وليست من الفتيات اللاتي ينصبن شباكهن حول الشباب للايقاع بهم, ثم الفوز منهم بأكبر مكاسب ممكنة.. هي لم تفعل ذلك, وعندما أحبت, صدقت في حبها ورسمت صورة لمستقبلها مع فتاها الذي اختارته, ولم تكن أنت فارس أحلامها, ولم تفكر أبدا في الارتباط بك إلا تحت الضغط والظروف التي دفعت فتاها لانهاء الخطبة بالتليفون.. فلما عاد اليها شارحا لها أسبابه طلبت منك أن تتركها لمن أحبته.. فعز عليك ذلك وفكرت في فكرة دنيئة لإذلالها حتي ترضخ لك.. فخدرتها وأوهمتها بأنك اغتصبتها وبالتالي لم يكن امامها أي مخرج لما وجدت نفسها فيه سوي أن توافق علي الارتباط بك درءا للفضيحة.. وهكذا تزوجتك مرغمة وسلمت لك نفسها مضطرة, وهي لاتحمل لك حبا ولاكرها, وعاشت ذليلة لك بعد أن أخذت منها أعز ما تملك علي غير رضاها ورغبتها. وحتي بعد أن أنجبت منك طفلين, تركتها وحيدة تعاني الأمرين في تربيتهما, وتمريض الطفل المصاب بمرض نادر الشفاء منه علي حد تعبيرك إلي ان من الله عليه بالشفاء.. كل هذا وأنت لاتفكر إلا في نفسك وملذاتك وأهوائك الشخصية.. فماذا كنت تنتظر بعد ذلك؟ لقد تماديت في إيذائها نفسيا بعد أن أذيتها بدنيا, ثم ها أنت تقول إنها أصيبت بسرطان البنكرياس, وأن العلاقة الزوجية بينكما قد انقطعت وإنها ترغب في الطلاق لكي تتزوج من أحبته, ولأنه يعز عليك أن تراها مع غيرك, فإنك تتمادي في تعذيبها والابقاء عليها تحت سيطرتك لا لشيء إلا لأنك تعلم أنها لن تخونك ماديا.. بمعني إنها لن تتورط في علاقة آثمة مع من احبته. لأنها متدينة وتخشي ربها, وما دمت قد اطمأننت الي هذا الجانب, فما عداه من جوانب لا قيمة له بالنسبة لك؟.. أي تفكير هذا الذي يدفع الانسان الي ايذاء زوجته لهذا الحد؟.. ألا تخشي من العقاب الإلهي الذي ظهرت بوادره بحالة الاضطراب النفسي القاسية التي تعيشها, فعاجلا او آجلا سوف تدفع ثمن الشرور والآثام التي ارتكبتها في حقها, فكما تدين تدان. ويبقي امامك الآن خيار واحد هو ان تستجيب لصوت العقل والحكمة فتجلس معها جلسة ود ومصارحة تامة بكل ما فعلته وما دار في نفسك طوال سنوات ارتباطك بها, وان تطلب منها ان تحكم عقلها, وهي المشهود لها بالاتزان وحسن التصرف في مستقبل اسرتكما, خصوصا أن معكما طفلين سوف يتجرعان كأس المرارة إذا انفصلتما, واعطها مهلة كافية للتفكير, فإذا استجابت لطلبك وقررت الاستمرار معك فأحسن معاشرتها وحاول رأب الصدع الذي اصاب علاقتكما الزوجية وإحتويها هي وإبنيك, وعاملهم بالحسني, وانظر الي الدنيا بعين المعطاء والمحب الذي لا يعرف الانانية. ويؤثر اهله علي نفسه. واذا اصرت علي موقفها بالطلاق وهذا حقها فسرحها بإحسان واتفق معها علي طريقة تربية الطفلين بحيث ينشآن في كنفكما ورعايتكما معا.. وليكن لها ما أرادت, وكفاها عذاب السنين الماضية.. واسأل الله لها الشفاء والطمأنينة وراحة البال وادعوه أن يهديك الي طريق الصواب.. إنه علي كل شئ قدير.