مع كل تقديري للتصريح الدبلوماسي الذي صدر من وزير خارجيتنا أحمد أبوالغيط, قبيل سفره إلي واشنطن, والذي توقع فيه تحرك المعنيين علي الجانب الفلسطيني والمسارعة بتقديم الاعتذار اللائق للشعب المصري عن مقتل الجندي المصري علي الحدود. وإجراء تحقيق جاد وصادق في هذه الواقعة والقبض علي الذين أطلقوا النار وتقديمهم للمحاكمة, أو تسليمهم لمصر لمحاكمتهم, فأنني أري أن قادة حماس في داخل غزة وخارجها, أصبحوا مطالبين بأكثر من اعتذار, فقد زاد سجل جرائمهم, ليس في حق الشعب المصري فقط, بل في حق الشعب الفلسطيني أيضا, فحماس عليها أن تعتذر لمقتل الشهيد, جندي حرس الحدود أحمد شعبان, وعليها أن تجد وسيلة لكي نغفر لها جريمة مقتل الرائد المصري الشاب ياسر فريج, وعليها أيضا تمحو من سجل تاريخها الأسود وقائع التخطيط والتآمر ضد مصر وشعبها منذ انقلابها علي السلطة الوطنية وسيطرتها المسلحة علي قطاع غزة, وتجعلنا ننسي محاولات عناصرها وميليشياتها وخلاياها السرية لتهريب الأسلحة والأحزمة الناسفة والمتسللين عبر الأنفاق واستقبال وتدريب عناصر الإرهاب للقيام بعمليات تهدد أمن مصر والمصريين, وعليها أيضا أن توضح قبل أن تعتذر سر هذا العداء المستحكم ضد مصر وقيادتها وشعبها والمواقف السياسية, وتنسيقها مع جهات معادية في الداخل والخارج, لتشويه المواقف المصرية تجاه القضية الفلسطينية وضد كل تحرك مصري. أو قرار يتصل بأمن مصر وسيادتها ورؤيتها تجاه المصالح والأمن القومي العربي بشكل عام, ومن الطبيعي بعد هذا السجل الحمساوي, أن نتساءل كم اعتذار يكفينا من حماس! وهل الاعتذار وحده يكفي, ويضمن لنا نحن المصريين عدم تكرار انتهاك سيادة حدودنا, وتوقف الحملات الإعلامية ضدنا, ومنع سقوط شهداء جدد لنا علي الحدود برصاص قناص ينتمي لميليشيات حماس التي تسمي القوة التنفيذية؟! لا أتصور أن اعتذار حماس سيمنع ذلك, فتيار داخل حماس, وهو تيار قوي ومسيطر بالدعم المالي الخارجي, وبالرؤية الأيديولوجية المتشددة, وبالسيطرة الميليشياوية علي الأرض في غزة, لا يعنيه من قريب أو بعيد قضية شعبه, ولا معاناة أهل القطاع من استمرار الحصار والعدوان الإسرائيلي, ولا يهتم بانقسام الأرض والشعب بين رام اللهوغزة, ولا بتحقيق مشروع الدولة المستقلة وإعمار البلاد, وهذا التيار يجد في الوضع الفلسطيني القائم الآن, هو الخطوة الأولي لتنفيذ مشروعه الخاص في إقامة دويلته أو ولايته الإسلامية في غزة, كقاعدة انطلاق لمشروع الخلافة الكبري التي تمتد من إندونيسيا وحتي المغرب. لهذا كانت جرائم حماس ضد شعبها, بانقلابها علي الشرعية, وإلغاء اتفاقية المعابر, وخرق التهدئة والتسبب في العدوان ومشاركتها إسرائيل في حصار غزة, وبعد هذه الجرائم علي الشعب الفلسطيني نفسه, هل يمكن الاعتقاد أن اعتذار حماس لمصر سيوقف جرائمها المتكررة؟ لا أعتقد ذلك فمنذ سيطرة حماس علي غزة, بدأت في التصرف كدولة مستقلة, وطلبت الاعتراف بها والمشاركة في إدارة المعابر, ووصل الأمر بقادة حماس إلي أن طلبوا بوضوح أن يتم تحويل المبالغ المخصصة لإعادة إعمار غزة والبالغة نحو4 مليارات دولار, والتي تم اعتمادها من الدول المانحة في مؤتمر شرم الشيخ, لسلطتهم في غزة, وهو الأمر الذي رفضته كل الدول, ويبدو أن مأزق حماس في الداخل والخارج هو الذي دفعها لنقل معركتها مع إسرائيل إلي مصر, فكانت جرائمها المتكررة, سواء بالتظاهر علي الحدود أو بالحملات الإعلامية المنظمة, أو بالهجوم علي كل قرار مصري يتعلق بالسيادة والأمن القومي المصري, حتي وصل إلي إطلاق النار المتعمد بواسطة قناص علي الطرف الآخر من الحدود. وبرغم كل ذلك ظلت مصر تتعامل مع تصرفات حماس بحكمة وتعقل وهي تدرك حجمها ودورها باعتبارها دولة إقليمية, ولا يجوز أن تتعامل بطريقة الميليشيات, ومن منطلق حرصها علي مصالح الشعب الفلسطيني وإدراكها لوجود تيار داخل حماس يسعي لاستفزاز مصر وتوريطها في صدام مسلح وتصعيد الموقف, ودفع مصر لاتخاذ إجراءات تستغلها حماس للتشهير بمصر, وتحويل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلي صراع فلسطيني مصري!! كان الصبر المصري والتأني في أخذ مواقف تضع الأمور في نصابها, لقد صبرت مصر علي كل الجرائم التي ارتكبتها ميليشيات حماس, ولم تزج بنفسها في لعبة الصراع الداخلي بين تيارات حماس أو بين الفصائل الفلسطينية, ولكن عندما وصل الأمر إلي التهديد المباشر للأمن القومي المصري والاعتداء علي أبناء مصر بقتلهم والتآمر علي استقرار البلاد, كان لابد من اتخاذ اجراءات سريعة وحاسمة في اتجاه الحفاظ علي مصالح وأمن البلاد, ولعلي هنا أشير إلي أن القيادة المصرية التي تعاملت بصبر, تتعرض الآن وبعد جريمة مقتل الجندي المصري علي الحدود لضغوط شعبية لوقف هذه الجرائم, وهذا ماحدا بالمتحدث الرسمي للخارجية المصرية, أن يطلق تحذيرا واضحا يؤكد فيه أن مصر لن تسكت علي كل الذين أساءوا إليها وأن لصبر مصر حدودا. إن الاعتذار وحده لا يكفي, وينبغي علي الذين أساءوا لمصر والمصريين إذا كانوا حريصين علي مصر وشعبها كسند لقضيتهم أن يحسموا أمرهم, ولكن قبل ذلك عليهم أن يدركوا أن غضب مصر وشعبها قد زاد, وهم الخاسرون من هذا الغضب, وأن القيادة المصرية لن تجد أمام غضب شعبها طريقا سوي الاستجابة لهذه المطالب التي تريد حماية أمن مصر وأرواح شعبها, ويجب أن يعلم الجميع أن مصر تملك من الوسائل والإمكانات والطرق لمنع تكرار هذه الجرائم, وأنها مع إصرارها علي موقفها المبدئي في دعم ونصرة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة, فإنها لن تسمح أيضا بتلطيخ يدها بدم الشعب الفلسطيني وتشويه السجل القومي الناصع لمصر وشعبها وجيشها في الدفاع عن فلسطين وشعبها وقضيته وفي الوقت نفسه لن تخضع للابتزاز ومحاولات الوقيعة بين الشعبين, وستواصل دورها القومي مع الحفاظ علي أمنها وسيادتها, وأنها سوف تتعامل كدولة, تعرف حدود مسئولياتها الوطنية والقومية, وهي بطلبها أن يعي من يسيطر علي قطاع غزة مسئوليته, وأن يقدم اعتذارا واضحا بذلك, تعطي الفرصة لمراجعة هؤلاء لمواقفهم, حتي لا ينفد الصبر المصري, ويزداد الغضب الشعبي والذي سيكون إحدي مسئوليات الدولة المصرية ومهامها هو التعبير عن غضب شعبها بكل الوسائل التي تملكها.. ونحن نعلم أن الاعتذار وحده لا يكفي.. ولكننا سنعتبره نهاية للجرائم وعدم تكرارها.. ولكن بعد ذلك لن يكفينا ألف اعتذار.