عشية افتتاح المونديال الثامن عشر عام2006, أجري السكرتير العام السابق لمنظمة الأممالمتحدة كوفي أنان مقارنة طريفة بين هذه المنظمة والاتحاد الدولي لكرة القدم( الفيفا). وكانت المقارنة في مصلحة الفيفا والمسابقات التي ينظمها أو تنظم إقليميا في إطار القواعد العامة التي يضعها. ولذلك عبر أنان عن غيرته من المونديال وأمله في أن تحذو العلاقات الدولية حذوه.. ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي تجري فيها مقارنة بين التنافس الرياضي الدولي والصراع السياسي العالمي, أو بين كرة القدم والسياسة. فقد سبق أن قارن السيناتور الأمريكي الراحل ويليام فولبرايت, الذي رأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لفترة طويلة في الربع الثالث من القرن الماضي(1959 1974), بين المنافسات الرياضية والسياسية علي الصعيد الدولي. ففي كتابه المشهور ثمن الإمبراطورية الصادر عام1989 عنRandomHouse, لاحظ فولبرايت أن التنافس السياسي الدولي الحاد يلحق أضرارا خطيرة بالعالم والبشرية, خصوصا في ظل انتشار الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل, بخلاف التنافس الرياضي الذي لايؤذي أحدا بل يستمتع به الجميع. ويبدو تقدير فولبرايت أكثر دقة مقارنة برأي أنان الذي ينظر إلي التنافس في كرة القدم عموما, والمونديال خصوصا, بشيء من المثالية. فقد لايكون هناك خلاف كبير علي أن التنافس الرياضي وخصوصا في اللعبة الأكثر شعبية وهي كرة القدم, يجمع معظم البشر ويوفر لهم فرصا للاستمتاع واللهو البريء ولايخلف أضرارا يعتد بها إلا علي سبيل الاستثناء. وهذا كله لايحدث, بل يحصل عكسه, في الصراع السياسي الدولي. كما أن القواعد التي تحكم كرة القدم, وغيرها من الألعاب الرياضية, تقوم علي المساواة ويتوافر فيها من العدالة مالاتعرف العلاقات السياسية الدولية مثله, ولكن هذا لايعني أن العدالة فيها كاملة. فعند تطبيق نظرية المباريات, المعروفة في حقل العلاقات الدولية, علي كل من المباراة الرياضية والمباراة السياسية, يتضح أن كلا منهما ينتهي إما بانتصار طرف( دولة أو فريق) وهزيمة الآخر أو بتعادلهما. ويتطلع الأضعف عادة إلي التعادل في المباراة الرياضية, كما في الصراع السياسي. ولكن هذا التعادل يختلف في كل منهما, لأنه يكون كاملا في الرياضة بخلاف الصراع السياسي حين يقود إلي حرب لاتكون خسائرها متساوية عادة بين طرفيها. فقد تنتهي حرب بدون أن ينتصر أحد طرفيها, ولكنها تحدث دمارا متفاوتا للطرفين. وإذا كان التعادل ممكنا في أي صراع سياسي أو حرب مسلحة, فهو ليس كذلك في المباريات الرياضية التي تجري بنظام الكأس, حيث يتعين أن يفوز أحد الفريقين. فمن المباريات الرياضية إذن ماهو صفري, أي يندرج ضمن المباراة الصفريةZeroSumGame بالضرورة. ويعني ذلك أن هذا النوع من المباراة يكون أكثر شيوعا من الناحية النظرية في المباريات الرياضية. وبالرغم من أن المهزوم يكون محسورا في الرياضة كما في السياسة والحرب, فالمباراة الصفرية هي التي تبعث علي البهجة في الألعاب الرياضية بينما هي أخطر صور الصراع السياسي العسكري وربما أكثرها إيلاما. ففي المباراة الصفرية, يكسب طرف كل شيء ولايبقي للآخر بالتالي أي شيء. ومع ذلك يفضل عشاق كرة القدم المباراة الصفرية علي مباراة تنتهي بالتعادل الذي يتمناه عادة الفريق الأضعف وجمهوره. وأكثر مايزعج من يرغبون في مشاهدة مباريات ممتعة هو لجوء الفريق الأضعف إلي تكتل دفاعي محكم يفسد اللعب الجميل ولايترك له مجالا. ولذلك تكون مباريات الكرة الأجمل والأقوي هي التي تنتهي بفوز أحد الفريقين. ويحصل هذا الفائز علي نقاط المباراة كاملة, أو ينتقل إلي مستوي أعلي في المنافسة علي كأس ما أو يستحوذ علي هذه الكأس. ولايبقي للخاسر, في هذه الحال, إلا الصفر, وقد تكون حصيلته من الأهداف صفرا أيضا. وعندئذ نكون إزاء مباراة صفرية قلبا وقالبا. غير أن الصراع السياسي العسكري الذي ينتهي إلي نتيجة مماثلة هو الأسوأ إلا في حالات استثنائية يكون المنتصر فيها صاحب حق يسعي إلي استرداد ما أغتصب منه عنوة أو تصحيح وضع فرض عليه قسرا. غير أن الصراعات السياسية العسكرية تنتهي, في كثير من الأحيان, إلي فرض دولة أو أكثر إرادتها علي الدولة المهزومة وإرغامها علي الاستسلام بكل ماينطوي عليه من آلام مادية ومعنوية والإعداد في الوقت نفسه للانتقام في جولة تالية قد تكون أكثر تدميرا. ولذلك فعلي خلاف المباريات الرياضية, وخصوصا مباريات كرة القدم, التي تبدو المباراة الصفرية فيها شديدة البهاء, تعتبر المباراة غير الصفرية هي الأفضل في الصراعات السياسية والعسكرية. ولذلك تنامت أدوات التسوية السلمية ومناهجها, وحدث تقدم كبير فيها أتاح حل الكثير من هذه الصراعات أو وضع حدا لتصاعدها وازدياد حدتها. فالمباراة الصفرية مؤلمة في السياسة كقاعدة عامة يجوز فيها الاستثناء, ولكنها مبهجة غالبا في الرياضة برغم أنها تؤلم الفريق المهزوم ومشجعيه خصوصا المتعصبين بينهم. والاستثناء وارد أيضا في المباريات الرياضية, وخصوصا مباريات كرة القدم وبصفة خاصة في المسابقات الإقليمية والدولية التي يلعب فيها كل فريق باسم دولته ويرفع علمها علي نحو يخلق في بعض الأحيان خلطا بين الرياضة والسياسة فيؤجج صراعات وقد يشعل حروبا صغيرة. يبقي فرق مهم آخر بين المباراة الصفرية في مباريات الكرة وفي الصراعات السياسية التي تقود إلي حرب, وهو أن النتيجة قد لاتكون تعبيرا عن ميزان القوي الفعلي في الكرة بخلاف الحال في الحرب. فليس واردا أن تنتصر الدولة الأضعف في حرب تخوضها, في حين أن انتصار الفريق الأضعف في مباراة لكرة القدم هو أمر ممكن ومتكرر كما حدث عدة مرات في الدور الأول في المونديال الحالي. فقد لايكون الفريق الأقوي في المستوي المعتاد فنيا أو بدنيا أو معنويا. وقد يلعب الحظ أو التوفيق, أو أخطاء الحكم, دورا في حسم الصراع الكروي لمصلحة الأضعف. ولذلك فإذا كانت العدالة مفقودة في العلاقات السياسية الدولية فهي ليست حاضرة دائما في المباريات الكروية, وربما لهذا السبب, حرص منظمو المونديال علي الجمع بين المباراة الصفرية والمباراة غير الصفرية في الدور الأول الذي يشارك فيه32 فريقا, ويجري بأسلوب النقاط الذي يتيح للفريق الذي يخسر مباراته الأولي التعويض في مباراتين آخريين. المزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد