عند مناقشة مجلس الشعب لثلاث قضايا رئيسية تهم الفلاح وتعكنن عليه, وتقضي علي كل أمل أعلنه الرئيس مبارك للحكومة بأن تضع الفلاحين في بؤرة اهتمامها, وضرورة حصوله علي العائد المجزي من زراعته بتحديد أسعار عادلة, وخفض تكاليف مستلزمات الإنتاج وتوفيرها له, دارت تحت القبة مناقشات مهمة وجادة أثارها الأعضاء مع الحكومة علي ضوء التقرير المهم الذي وضعته لجنة الزراعة والري برئاسة عبدالرحيم الغول, حول موضوع أسعار الأسمدة, وارتفاع أسعار سماد النترات, وخطة الحكومة في مجال توفير الاحتياجات اللازمة للزراعة المصرية, والتوجهات الأخيرة نحو تحرير أسعارها, وتأثير ذلك علي المزارعين, وموضوع أسعار الحاصلات الزراعية الرئيسية وعدم التناسب بين الأسعار المعلنة من قبل الحكومة, وتكلفة الإنتاج الزراعي, وموضوع فرض غرامات علي المزارعين الذين قاموا بري وزراعة الأرز العام الماضي وسياسات الحكومة في هذا الشأن. وقد شغلت الموضوعات الثلاثة الرأي العام بين جماهير الفلاحين, ذلك لأنها من الموضوعات التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالإنتاج الزراعي والمشتغلين بالزراعة, الذين يزيد تعدادهم علي56% من أبناء الشعب يقومون بزراعة مساحة تبلغ8.4 مليون فدان يوفرون من خلالها نسبة كبيرة من السلع الغذائية اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي الذي يمثل أحد أهم ركائز الأمن القومي, فضلا عن أن الإنتاج الزراعي يعد من الدعامات الأساسية لبناء الاقتصاد المصري. ولاشك أن قطاع الزراعة واجه في العقود القليلة الماضية بعض المشكلات, وكان من بينها ما استشعره الرئيس مبارك عندما أصدر سيادته قراره الحكيم بإعفاء الفلاحين المتعثرين من سداد50% من مديونياتهم لبنك الائتمان الزراعي, نتيجة انخفاض عوائد محاصيلهم, ومن ثم عدم قدرتهم علي سداد المديونيات, مما عرضهم لإجراءات عقابية من قبل البنك. وقد سبق أن تعرضت اللجنة لدراسة هذا الموضوع, وأوضحت أن أسعار الحاصلات الزراعية يجب تحديدها وإعلانها قبل بدء موسم زراعة أي محصول, وإن كانت هذه الأسعار تتماشي مع الأسعار العالمية, فإنها تغفل ظروف الزراعة المصرية والزارع المصري, حيث إن تكلفة عناصر الإنتاج مازالت تواصل ارتفاعها. والتساؤل الذي يطرح نفسه في هذا الشأن هو: كيف يقبل الفلاح علي زراعة المحاصيل الاستراتيجية في ظل انخفاض العائد, بل وتدهوره وتحوله إلي خسائر؟ إن الفرق بين التكلفة والعائد في هذه المحاصيل وفقا للواقع الميداني يتلخص فيما يلي: محصول الأذرة.. جملة التكاليف5040 جنيها, وصافي العائد3000 جنيه. محصول القمح.. جملة التكاليف6100 جنيه, وصافي العائد5050 جنيها. محصول القطن.. جملة التكاليف5750 جنيها, وصافي العائد3900 جنيه. محصول الأرز.. جملة التكاليف3800 جنيه, وصافي العائد2400 جنيه. محصول قصب السكر.. جملة التكاليف8515 جنيها, وصافي العائد9400 جنيه. وتري اللجنة أن تحديد أسعار الحاصلات الزراعية يجب أن يتوافر له ما يلي: احتساب التكلفة الفعلية لكل محصول, وتحقيق العائد المجزي للفلاح نتيجة ما يبذله من جهد لا يقل عن متوسط الدخل الشهري لأي مواطن في الدولة, والقيمة الاستثمارية للأراضي الزراعية, حيث يبلغ سعر الفدان من الأرض الزراعية اليوم أكثر من400 ألف جنيه, ويجب ألا يقل عائده الاستثماري عن4 آلاف جنيه. وقد شن نواب الشعب من الأغلبية والمعارضة والمستقلين هجوما عنيفا علي السياسة الزراعية التي تطبقها الحكومة, لأن هذه السياسة بدلا من أن تكون مشجعة للفلاح علي الزراعة وتخفيف الأعباء عنه, تحقيقا للمبدأ الذي قرره الرئيس مبارك بأن حماية الفلاح وتخفيف الأعباء عنه واجب قومي علي الدولة, أصبحت عبئا ثقيلا علي الفلاح الذي أصبح يعاني زيادة كبيرة في أسعار مستلزمات الإنتاج, خاصة الأسمدة والتقاوي والمبيدات, في الوقت الذي تنخفض فيه أسعار الحاصلات الزراعية التي يتم توريدها للدولة عاما بعد آخر, بما زاد من الفجوة بين تكلفة الإنتاج وثمن البيع, وجعل الفلاح ينصرف عن زراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل الأرز والقمح والأذرة أو قصب السكر.