وجدتني علي مشارف العام الجديد أتساءل سؤالا مشروعا, أين مصر اليوم وهي علي مشارف عام جديد وما هي الصورة التي يمكننا أن نتوقعها لها خلال2010 ؟ وعلينا هنا أن نجيب عن سؤالين في آن واحد. ما هي إنجازات مصر الحقيقية التي تؤهل لاستخدامها كعنصر تقويم أساسي في رصد وتقدير حركة المستقبل بالاستقرار الموضوعي وليس التخمين وما هي إخفاقات مصر الحقيقية التي ستؤثر في حركتها المستقبلية. علاوة علي رصد للواقع الإقليمي والمستجدات التي طرأت عليه. ويمكنني أن أحدد ملامح معينة أراها مهمة في رصد حركة الماضي وارتباطها بتوقعات المستقبل وأهمها: أولها: أن مياه الوضع الداخلي قد تحركت بصورة وصفها الكثير من المحللين السياسيين في الداخل والخارج بكونها إيجابية. فقد دخلت الساحة السياسية أصوات لها وزنها السياسي, بطروحات لقضية الإصلاح السياسي, وبأسلوب يتناول الوضع بصورة كلية, ويركز علي موضوع التعديلات الدستورية التي يراها البعض حيوية للتأكيد علي جدية العلاقة بين النظام السياسي والمواطنة.. ويري الكثير من المتابعين للوضع المصري الداخلي أن تأثيرات هذه الموجة, قد تتعدي العام المقبل: حيث التجديد النصفي لأعضاء مجلس الشوري, وانتخابات أعضاء مجلس الشعب بالكامل, والتي قد تعكس آثارها علي الانتخابات الرئاسية عام2011. والجديد في التناول أنه قد أصبح يتسم بالجدية والموضوعية, حيث قامت بهذه الطروحات عناصر من الليبرالية المصرية الحقيقية, وبذا فقد تجاوز الرصد والتحليل أساسيات الوضع الراهن, إلي ما هو المأمول من إصلاحات سياسية تعيد التوازن بين معياري النظام السياسي والمواطنة. ثانيا: أن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية قد بدأت تفرز نمطا جديدا للتناول من جانب المسئولين, فقد باتت المصارحة مطلوبة ووجوبية بين النظام السياسي والمواطنين, خاصة مع تفاقم آثار البطالة, وانخفاض القيمة الحقيقية للنقود, وتآكل الطبقة المتوسطة علي حساب تفاقم الطبقة الفقيرة, وتدني مستوي المعيشة للطبقات المتوسطة وما دونها, وزيادة معدل الجريمة في مصر وارتباطه بالبطالة, وعلاقة الدولة والقطاع الخاص بحل أزمة البطالة, والفشل في التعامل مع معيار الدعم للمواطنين بصورة فاعلة, وزيادة حدة الكوارث الطبيعية عدا ونوعا وآخرها انفلونزا الخنازير, وتدهور مستوي التعليم, وتفجر مسألة الأزمة المائية لدول حوض النيل وانعكاسها علي مصر, وغيرها من الأمور التي جعلت النظام التنفيذي بل والسياسي يتبع سياسة المكاشفة في حدودها الممكنة وهو ما لم يحل بعد أزمة الثقة بين ما يقال وما يصدق بين الجهاز التنفيذي والمواطن. ثالثا: أن أزمة العلاقات بين قطاع غزة ومصر, قد أصبحت عنصرا حاكما في مفرزات الأمن القومي المصري بصورة غير مسبوقة ذلك أن محددات الوضع الذي استقر عليه العمل منذ توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل, كان يستند علي محددات واضحة, وهي أن المحتل الإسرائيلي هو المسئول عن الحفاظ علي أمن الحدود المصرية في قطاع غزة والضفة الغربية بحكم المعاهدة وبحكم وضعه كدولة احتلال, ثم باعتبار أن المنطقة الصفراء غزة والضفة تخضع لمسئولية دولة الاحتلال وفقا لاتفاقية أوسلو إلا أن الهزة التي عكست آثارها علي الموقف الراهن بعد الانسحاب الإسرائيلي التام من قطاع غزة, وبناء الجدار العنصري الفاصل, وترك أمن غزة للسلطة الوطنية الفلسطينية, ثم توقيع اتفاقية المعابر وترك الأمر لقوات أمن رئاسة السلطة الفلسطينية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة, وما أعقبها من الانفصال الفعلي بين السلطة الفلسطينية وحماس, وبزوغ عنصر جديد في المعادلة وهو الدور الإيراني الفاعل في دعم تيار حماس.. والأكثر من هذا أن الدور الإسرائيلي قد بدأ يتحرك بصورة غير متوقعة بل وبنزق غير مسموح به في فرض الحصار علي مواطني غزة, بصورة حولت الكبت إلي انفجار, وجعلت مصر تقف في موقف بالغ الصعوبة, فهي مطالبة بخيارات كلها مر: فإما أن تفتح معبر رفح مع قطاع غزة بصورة غير قانونية من منظور معاهدة السلام مع إسرائيل وإما أن تتغافل عن تفشي ظاهرة الأنفاق تحت الأرضية التي جاوزت1200 نفق بما يمثل تهديدا للأمن القومي المصري ويشكل انتهاكا لسيادة مصر علي أراضيها, وإما أن تتهم مصر بأنها تتعاون مع إسرائيل في فرض الحصار اللاإنساني علي الشعب الفلسطيني في غزة وهو ما يؤدي لتسطيح دورها الفلسطيني, باعتبار أن موقفها منحاز للعدو الإسرائيلي.. وبات الدور المصري الذي ورثته عن عام2009 بالغ الصعوبة, ويستلزم منها إعادة النظر في محددات موقفها علي أسس جديدة تماما: فهي إما تتمسك بدور إسرائيل كدولة محتلة للمنطقة الصفراء وهو وضع قد يلقي صعوبة في تطبيقه, لأنه يعني استعداء إسرائيل علي مواطني غزة لصالح مصر. وإما أن تضغط مصر دوليا لرفع الحصار عن مواطني غزة, وتطالب بفتح المعابر, وتهدد بفتح معبر رفح وضعا في الاعتبار أن مصر لم تشارك في اتفاقية المعابر عام2005 علي اعتبار أن إسرائيل قد انسحبت فعليا من علي حدودها مع مصر بفعل أحادي, وأوكلت المهمة إلي السلطة الوطنية الفلسطينية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة, واكتفت بالرقابة عبر الكاميرات, وتطالب مصر المجتمع الدولي برفع الحصار عن غزة وتمكينها من الحصول علي إحتياجاتها الضرورية ليست كمعونة من وكالة غوث اللاجئين بل كدولة محتلة ذات حقوق دولية,وبذا تستعيد مصر وضعها السياسي كلاعب أساسي في المعادلة الفلسطينية, ويمكنها أن تنهي دور الأنفاق بصورة قانونية ومقبولة. وهذه المشكلة ستكون من كبريات المشاكل التي ستلقي علي ظهر مصر في عام2010, وستجعل مصر في محك السيادية والمشروعية والإنسانية. رابعا: أن خريطة الشرق الأوسط قد بدأت تظهر ملامحها الجديدة في عام2009, ودخل المسرح لاعبون جدد, وتعاملات مختلفة, وأنماط جديدة, وعلي مصر أن تتفاعل خلال عام2010 مع التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي, ودخول الرئيس أوباما في معترك العلاقة مع الكونجرس الجديد, والذي قد يعدل من آليات وأسلوب تحرك أوباما الخارجي خاصة بالنسبة للشرق أوسطي, والمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية العقيمة التي لن تسفر عن شئ جوهري ودليل ذلك رفض إسرائيل وقف سياستها الاستيطانية إلا بصورة مؤقتة.. وهنا يلزم ان نعد العدة لدور مصر في ظل التوازنات الإقليمية الجديدة, ودخول كل من تركيا وإيران كلاعبين جدد, وبصلاحيات مختلفة, وانعكاس دورها الإقليمي علي مصالحها الخارجية.