المسألة لم تصل بعد إلي هذه المرحلة, ولكن القضية محسومة, لا للنقاب في فرنسا, أيا كانت الاعتراضات, والغرامات والعقوبات ودورات التوعية, للوصول إلي الهدف. ففي خطوة جديدة تبني مجلس وزراء فرنسا مشروع القانون الذي تقدمت به وزيرة العدل والحريات ميشيل أليو ماري, الذي يحظر إخفاء الوجه في الأماكن العامة. ويقول الوزير لوك شاتيل المتحدث باسم مجلس الوزراء: إن ارتداء أي لباس يرمي إلي إخفاء الوجه, وبصفة خاصة الحجاب الكامل( النقاب), يمثل انتهاكا للقواعد التي تشكل الميثاق الجمهوري, ونظرا لما يسببه من اعتداء علي القواعد التي تتيح العيش معا, وعلي كرامة الشخص, وعلي المساواة بين الجنسين, فإن هذه الممارسة, حتي وإن كانت طواعية, لا يمكن تحملها أو قبولها في أي مكان من الأماكن العامة. المتحدث باسم مجلس الوزراء يمضي فيقول: إن مخالفة الحظر سوف تعاقب بغرامة لا تزيد علي150 يورو, ودورة توجيهية في المواطنة يمكن أن تكون بديلا عن الغرامة أو إضافة لها. مشروع القانون الذي أقره مجلس الوزراء يقضي بأن الحظر العام للنقاب سوف يدخل حيز التنفيذ بعد ستة أشهر من صدور القانون( عن البرلمان), ويوضح أن هذه الفترة ستتم الاستفادة منها في مواصلة الحوار والشرح والتوضيح والتشجيع لدي النساء اللائي يرتدين النقاب طواعية, الأمر الذي يؤكد أن فرنسا وهي تصمم علي حظر النقاب بشكل كامل وشامل ومطلق وحاسم, فإنها لاتتبع طريق الصدام, بل تعطي فرصة للتحاور والإقناع, وإن كان ذلك لا يعني تنازلها بأي حال عن الحظر الكامل الذي لا لبس فيه ولا مماطلة. وفي المقابل يشدد القانون العقوبة ضد من يجر الأخريات أو يفرض عليهن ارتداء النقاب, فيعتبرها جريمة تمثل اعتداء علي كرامة الإنسان, يعاقب مرتكبها بالسجن لمدة عام, وبغرامة قدرها15 ألف يورو, ويبرر مشروع القانون هذا التشدد بأن الأمر يتعلق بمكافحة كل أشكال استعباد النساء, وهو ما لن تسمح فرنسا بارتكابه علي أرضها, هذه العقوبة سيتم تطبيقها بشكل فوري علي من يرتكب هذا الجرم. مشروع القانون الجديد يقضي بالحظر الواسع والواضح والتدريجي للحجاب الكامل, ويشمل مجمل الأماكن المفتوحة للحياة الاجتماعية في سائر الأراضي الفرنسية. الرئيس ساركوزي يطالب الجميع بتحمل مسئولياتهم تجاه مسألة الحجاب الكامل, ويؤكد أنه لن يتخلي عن فرض الحظر الكامل, ويوضح مستشاره الخاص هنري مينو إنها مسألة حضارة, والرئيس يعتقد أن المجلس الدستوري لن يجرؤ علي النطق بحكم ضد قانون توافق عليه الغالبية العظمي جدا من الفرنسيين. وقد أثار ساركوزي في هذا المجال, خلال لقاء مع نواب حزب الأغلبية( حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية), أثار سابقة لها وزنها تتعلق بالرئيس الراحل الجنرال ديجول, حيث إن المجلس الدستوري كان يعارض فكرة انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر, وأبدي تحفظاته علي هذا الأسلوب لانتخاب الرئيس, لكن ديجول في عام1962 لجأ إلي المادة(11) من الدستور وأجري استفتاء عاما علي فكرة انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر. ساركوزي إذن يحذر من اللجوء إلي فكرة الاستفتاء الشعبي لتأكيد قانونه, بل وربما أيضا فكرة إجراء تعديل علي الدستور. كل ذلك إذا ما لجأ بعض النواب( من المعارضة 60 نائبا) إلي دعوة المجلس الدستوري لإصدار حكمه لوقف القانون المفترض في حال إقراره في البرلمان, أو ربما لجأ المواطنون الفرنسيون أنفسهم إلي دعوة المجلس الدستوري, وإن كان هذا ليس بالأمر المتوقع, خاصة أن استطلاعات الرأي أثبتت بالفعل أن الغالبية العظمي من الفرنسيين يرفضون فكرة النقاب شكلا وموضوعا. علي أي حال فإننا لم نصل بعد إلي هذه المرحلة, كما يقول لوك شاتيل, ولا نعرف ما إذا كان سيتم إخطار المجلس الدستوري أو انعقاده حول نص القانون عندما يتبناه البرلمان, والرئيس ساركوزي ذكر في مجلس الوزراء بأن رأي مجلس الدولة, وإذا حصل أيضا رأي المجلس الدستوري, لهما احترامهما, لكن المهم هو قدرة الأمة في لحظة معينة علي الاضطلاع بمسئوليتها: البرلمان والحكومة, السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية, وأن تكونا قادرتين علي التحرك إزاء موضوع بهذه الأهمية, وعلي التصرف بدافع من الضمير. الحكومة أقرت مشروع القانون, لكن الصعوبات, بل لنقل المنغصات, لم تبدأ بعد. بالنسبة للبرلمان, الحزب الاشتراكي يتقدم بمشروع قانون مضاد يحظر النقاب فقط في الأماكن المدنية, أماكن الخدمات العامة, تماشيا مع توصيات مجلس الدولة, ويأمل ألا تتم معاقبة النساء اللائي يرتدين النقاب, وأن تتاح لهن فرصة اللجوء إلي وساطة اجتماعية, بينما يطالب بعقوبة قوية ضد من يجبرون النساء علي لبس النقاب. ممثلو المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية, لا يعترضون علي فكرة حظر النقاب, إنما يعترضون علي مبدأ سن قانون خاص بذلك, وهم يأملون أن تلجأ الدولة إلي الحوار من أجل تحقيق ذلك, ويعربون عن القلق من مسألة الإشارة الدائمة والمتكررة بأصابع الاتهام إلي المسلمين, فتارة الحجاب وقانونه, وتارة أخري المآذن والمساجد, وتارة ثالثة النقاب وقانونه الجديد, هذه هي المخاوف من أن يكون المسلمون مهتمون بشكل دائم, خاصة أنه لا يكاد يمر يوم الآن دون خبر أو تعليق أو تصريح حول هذا الموضوع, مما يسبب التوتر المستمر. ناهيك عما يعرب عنه مسئولو أجهزة الشرطة والأمن الذين سيكون عليهم التنفيذ العملي للقانون, ومواجهة المنتقبات المقيمات في فرنسا أو الوافدات, واعتراضهن في الطريق وفي الأماكن العامة, وما يمكن أن يحدث لو تم اعتراض منتقبة خارجة من أحد المساجد, الأمر ربما يكون صعبا علي الأقل في البداية حتي يتعود الجميع علي القانون الجديد القادم. فالحكومة مصممة علي إصدار القانون وفرض الحظر حتي إذا استلزم الأمر اللجوء إلي الاستفتاء الشعبي, أو تعديل الدستور. وحتي لو اتهمتها المعارضة, كما هو حاصل حاليا, بأنها ربما تثير هذه الضجة, التي ترغب في تطويلها قدر المستطاع, حتي يقترب عام الانتخابات الرئاسية, وأيضا التشريعية في2012, وتكسب أصوات اليمين المتطرف, وربما أيضا الشارع الرافض في غالبيته لظاهرة التنقب.