كشف الصراع الدائر في مالي والصومال عن حجم التحدي الذي يواجه الاتحاد الافريقي في حل مشكلات وصراعات القارة التي تستنزف مواردها وتعوق جهود التنمية بها, كما يبرز التساؤلات حول طبيعة مهمة ودور قوات حفظ السلام الإفريقية في تسوية تلك الصراعات ومنع اندلاعها مرة أخري. فبعد مرور أكثر من عشر سنوات علي إنشاء الاتحاد الافريقي عام2002 ليخلف منظمة الوحدة الافريقية تصاعدت آمال وشعوب القارة في الخروج من أزماتها المزمنة في مختلف المجالات صوب حياة أفضل لشعوبها تتناسب وإمكانيات القارة الهائلة الطبيعية والبشرية, وخاصة القضاء علي الحروب الأهلية والصراعات بين دولها. لكن ورغم الإنجازات العديدة التي حققها الاتحاد في الكثير من النزاعات مثلما حدث في الكونغو ورواندا وإفريقيا الوسطي, فإن دور الاتحاد وفاعليته في حل أهم المعوقات وهي الحروب الأهلية والنزاعات بين الدول ظلت محدودة ومقيدة بعوامل عديدة أبرزها انتشار وتعدد تلك الصراعات في الكثير من دول القارة, كما حدث في الكونغو وتشاد ورواندا والسودان والصومال وأفريقيا الوسطي وغينيبا بيساو وأخيرا الصراع الجاري في مالي, فقد قام الاتحاد الأفريقي بمهمات عديدة لحفظ السلام بموافقة الأممالمتحدة, كما حدث عندما أرسل أكثر من33 ألف جندي لحفظ السلام في دارفور, وكذلك في الصومال لدعم الحكومة الانتقالية وفي رواندا والكونغو, وحاليا يتم إعداد أكثر من ثلاثة آلاف جندي لإرسالها لمالي, إلا أن مهمة الاتحاد واجهها التعثر في كثير من تلك الحالات, فمن ناحية اتسم تسليح وتدريب تلك القوات بالضعف الشديد ونقص التمويل والخطط العسكرية الواضحة, كما أنه في كثير من الحالات تحولت تلك القوات لتصبح طرفا في الصراع الأهلي, حيث تدعم طرفا ضد الطرف الآخر, كما حدث في الصومال ومالي, ومن ناحية ثانية فإنها تواجه في الغالب جماعات تمرد مسلحة تقوم بحرب العصابات التي يصعب علي الجيوش النظامية مواجهتها بالأسلحة وأساليب القتال التقليدية, وقد أسهم في ضعف قوات حفظ السلام الافريقية, ضعف الدولة الأفريقية ذاتها وانهيار مؤسساتها خاصة الجيش والشرطة, وعجزها عن الحفاظ علي وحدة أراضيها وسيادتها وفي الغالب فإن سيطرة الدولة علي أراضيها لا تتجاوز حدوث العاصمة وهو ما أسهم بدوره في انتشار الانقلابات العسكرية واندلاع الصراعات. كذلك فإن منهج التدخل الأفريقي في حل النزاعات يرتكز فقط علي المنهج الأمني ومحاولة منع وقف النزاع, لكنه لا يشمل مناهج أخري مثل المنهج السياسي والاقتصادي, وبعبارة أخري فإن تدخل الاتحاد الأفريقي ينبغي آن يكون في بحث مسببات الصراعات الأهلية في الكثير من دول القارة والعمل علي علاجها, وهو ما يسمي' بناء السلام', أي التدخل لحل المشكلات السياسية ودعم الديمقراطية في دول القارة باعتبارها الوعاء الوحيد والحقيقي لاستيعاب الاختلافات التعددية العرقية والقبلية والدينية, وسعي حكومات تلك الدول لإشراك الحركات المعارضة والأقاليم المهمشة في السلطة, وهذا العامل الأخير كان أحد أسباب اندلاع الصراع في دارفور حيث عاني الإقليم من تهميش سياسي واقتصادي واضح, كذلك يجب محاربة الفساد في دول القارة, فوفقا لمنظمة الأممالمتحدة للشفافية, فإن القارة تفقد سنويا150 مليار دولار بسبب الفساد من جانب النخب الحاكمة. ويقود هذا إلي عامل أخري لاندلاع الصراعات وهو غياب التنمية الاقتصادية الحقيقية في دول القارة ورفع مستوي معيشة شعوبها, فالصراعات الأهلية تستنزف الطاقات وتعرقل عملية التنمية وتوجه الموارد نحو التسلح, وفي المقابل فإن غياب التنمية يزيد من أمد تلك الصراعات وانتشارها, خاصة داخل الدولة الواحدة وإلي الدول الأخري المجاورة بسبب الحدود الطويلة والمفتوحة, وبسب التداخل القبلي والعرقي بينها. كما أن الصراعات والنزاعات بين الدول, كما هو الحال بين إريتريا وإثيوبيا وبين شمال وجنوب السودان, وبين السودان وتشاد تعود إلي غياب حل شامل لتسوية تلك النزاعات الحدودية التي تمثل عامل توتر بين تلك الدول. ولذا تعد أفريقيا من أكثر مناطق العالم التي يوجد بها صراعات سواء بين الدول أوالحروب الأهلية علي أسس عرقية وقبلية ودينية ولغوية, ومن ثم تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين, وعائقا أساسيا أمام تحقيق التنمية في القارة, بالاضافة لما ينتج عنها من تزايد مشكلات اللاجئين وتجنيد الأطفال في الحروب. وبالتالي فإن أبرز تحدي أمام الاتحاد الأفريقي هو العمل علي حل مشكلات القارة وتسوية نزاعاتها بالطرق السلمية وعبر مجلس الأمن والسلم الأفريقي, وهذا يتطلب إنشاء جيش أفريقي موحد تتوافر فيه كل الإمكانات التسليحية واللوجيستية للتدخل السريع في تلك النزاعات, وكذلك إنشاء جهاز إنذار مبكر لتوقع احتمالات نشوء النزاع والتدخل السريع لمنع اندلاعه أو تصاعده والبحث عن أسبابه وعلاجها في الوقت المناسب. وفي الحالة المالية حيث يستعد الاتحاد لإرسال قوات حفظ سلام, فمن المهم أن تتجاوز مهمة تلك القوات مجرد عملية حفظ السلام في إقليم أزواد بعد تحريره من الحركات المتمردة, إلي المساهمة الفعلية من جانب الاتحاد لترسيخ العملية الديمقراطية بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد قبل عام, والتفاوض مع حركات التمرد, خاصة الحركة الوطنية لتحرير أزواد لتقرير مصير الإقليم ومنحه الحكم الذاتي في إطار الحفاظ علي سيادة ووحدة دولة مالي لمنع تكرار اندلاع الصراع مرة أخري بعد انسحاب القوات الفرنسية والافريقية. وذات الحال في الصومال فمن الضروري أن يسعي الاتحاد الافريقي إلي إعادة بناء مؤسسات تلك الدولة المنهارة والفاشلة وبناء الجيش والشرطة والتوسط بين الحكومة الانتقالية وحركة شباب المجاهدين لوقف القتال ودعم العملية السياسية وتوجيه الموارد صوب التنمية والاستقرار. كذلك ضرورة تدخل الاتحاد لحسم القضايا العالقة بين شمال وجنوب السودان خاصة المناطق الحدودية المتنازع عليها في أبيي وجنوب كردفات ومشكلات النفط. وأخيرا فإن استمرار الصراعات والنزاعات داخل القارة الأفريقيا يمثل أكبر تحدي للاتحاد الأفريقي لاستكمال مسيرته وزيادة فاعليته في دعم الوحدة الأفريقية والعمل الاقتصادي والسياسي المشترك وتحقيق تطلعات وطموحات شعوب القارة السمراء.