ملف المفقودين من الملفات المنسية أو التي أريد لها أن تكون منسية, وذهب أكثر من ألف شاب ممن اختفوا أيام ثورة يناير1102 في طي النسيان, وكانت هناك لجنة تقص للحقائق, وقامت بعملها وتوصلت لنتائج, وكانت مفزعة ومخزية. وإن دلت هذه النتائج علي شيء, فإنما تدل علي أن المواطن المصري سيظل بلا ثمن في العهدين السابق والحالي!. تحقيقات الأهرام تكشف بعض نتائج اللجنة وتوصياتها, والتي حتي الآن لم يتم العمل بها. المستشار محمود فوزي المتحدث الرسمي للجنة الحرية الشخصية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان والمستشار بمجلس الدولة يقول: بالفعل كان ملف المفقودين أحد الموضوعات المطروحة علي لجنة الحرية الشخصية التي تشكلت بقرار في الخامس من يوليو الماضي, وبحثت اللجنة في الأشخاص الذين صدرت ضدهم أحكام عسكرية, وهم مدنيون لكن فوجئنا بتلقي82 شكوي من مواطنون عن فقد ابنائهم منذ أيام ثورة52 يناير, ومن هنا بدأنا رحلة البحث في هذا الموضوع أرسلنا لوزارة الداخلية نطلب منها بيانات عن هؤلاء المفقودين من واقع قاعدة بيانات الرقم القومي لديها للتواصل مع أهاليهم وخصوصا أن ذلك تزامن مع انطلاق حركة هنلاقيهم علي الانترنت المعنية بهذا الملف, وقامت ناشطة سياسية بإمدادنا ببعض المعلومات, وللاسف الداخلية لم ترد علينا. وللمرة الثانية قمنا بمخاطبة الداخلية في استعجال ردها علينا بالبيانات المطلوبة, ولم ترد للمرة الثانية وازاء ذلك, ولأنه لم تتوافر لدينا بيانات كافية قمنا بتحويل هذا الملف إلي لجنة تقصي الحقائق وأمينها العام المستشار عمر مروان. سألنا محسن بهنسي عضو اللجنة العامة لتقصي الحقائق مسئول ملف المفقودين والمحامي بالنقض فقال: نتائج التحقيق في هذا الملف كشفت لنا أن عدد المفقودين إبان ثورة52 يناير1102 وصل إلي0032 شاب وفتاة, وقد اعترف بذلك الدكتور عصام شرف وقت أن كان رئيسا للوزراء, وبعدها خرج عدد من الذين تم الافراج عنهم من المعتقلات, وتبقي أكثر من ألف شخص لم يستدل عليهم حتي الآن, وهناك حالات لم يتصل ذووهم باللجنة برغم أننا أعلنا عنها في الشريط الإخباري للقنوات التليفزيونية المختلفة بالنسبة للنتائج التي خرجنا بها تشير إلي مسئولية جهات أمنية, حيث تم احتجاز أشخاص لم يتم الاستدلال عليهم بعد ذلك, وتأكد ذووهم أنهم كانوا محتجزين في كمائن منها كمين دهشور طريق مصر/ الفيوم الصحراوي, وبعضهم تم حجزه في قسم شرطة الهرم وتسليمه لقيادات أمنية, ولم يستدل عليهم بعدها, وهناك محاضر محررة بشأن هذه الحالات, ولم يتم التحقيق فيها بشكل جدي. تبين للجنة أنه وقت اندلاع الثورة تم احتجاز أشخاص داخل المتحف المصري, وتعرضوا للتعذيب ودخلوا أحد السجون وماتوا, وهناك تقارير طبية تؤيد ذلك, وفي التحقيقات لم نصل لنتيجة تحدد المتهم الحقيقي في التعذيب!. كان من المفقودين أشخاص رهن الاعتقال, ولم يتم قيدهم في الدفاتر الرسمية لاثبات أنهم في المعتقل, وبالتالي هؤلاء في عداد المفقودين مجهولي الهوية. تبين للجنة أيضا أن هناك أشخاصا تم حجزهم في جهات أمنية, وماتوا وتم دفنهم في مقابر الصدقات دون تحديد سبب الوفاة أو الكشف عن هوياتهم, ودون البحث عن ذويهم, واكتفوا بالدفن بلا عنوان زو أهل وهي جريمة يحاكم فيها من قاموا بذلك. يستكمل محسن بهنسي كلامه قائلا: هناك افتقاد لخاصية ال دي إن أيهDNA فكل من يتم احتجازه أو وفاته لا يمكن الاستدلال عنهم بأخذ عينة منهم, ويجد أهلهم صعوبة في ذلك. أيضا أثناء عملنا في لجنة تقصي الحقائق بشأن المفقودين وردت لنا معلومة عن دفن مجموعة في الصحراء منهم من هربوا من السجون, ولا توجد تحقيقات حول هذا الموضوع. من المفقودين أيضا مرضي كانوا داخل المستشفيات, وعندما هاجم البلطجية وأهالي مرضي آخرين هذه المستشفيات قاموا بطردهم, وحتي هذه اللحظة لم يستدل ذووهم عليهم حتي الآن, وهناك محاضر محررة بذلك. من الحالات الغريبة التي حققنا فيها أشخاص فقدوا علي خلفية الانفلات الآمني, وقام وقتها هؤلاء المفقودون بالاتصال بذويهم, وعندما ذهبوا لمقابلتهم في الأماكن المحددة لم يجدوهم ثم اختفوا بعد ذلك, وهناك حالات بعينها تلقي أهلها تليفونات ثم ينقطع الاتصال, وتكرر ذلك عدة مرات, وتم إثبات ذلك في محاضر رسمية, ولم يستدل علي شيء. بعض الحالات المفقودة لاطفال وفتيات من أعمار مختلفة خرجوا وقت الثورة, ولم يكونوا من المتظاهرين واختفوا بشكل غامض, ولم تقم سلطات التحقيق المختصة بالبحث ذلك, وتم حفظ الموضوع!. جاءنا ما يقرب من86 حالة مؤلمة تؤكد تورط جهات معينة في التعذيب, وللأسف منهم أطفال في مراحل تعليمية مختلفة والمؤسف أكثر أنه بالإطلاع علي النصوص القانونية تبين أن هذا المفقود لا يستحق التعويض, بل وتعرض اهلهم لتهديد, عندما تواصلنا مع مجموعة من النشطاء في حركة هنلاقيهم قدموا لنا أسماء لحالات كانت مفقودة, وظهرت وتبين أنها كانت رهن الاعتقال, والمؤسف في الآمر هو عدم قيدهم في الدفاتر الرسمية, ولا يوجد مسئول يعترف بذلك, وعندما يتوفي المعتقل لا تبادر الجهة الأمنية بتحمل المسئولية, وتصر علي إخفاء مكان الدفن. ومن التوصيات التي خرجت بها لجنة تقصي الحقائق في هذا الموضوع والكلام مازال لمحسن بهنسي: ضرورة أن تهتم الدولة ومنظمات المجتمع المدني بقانون حقيقي للعدالة الانتقالية يعطي ضوء لإمكانية أن يعترف المسئول الأمني بالجرائم التي يرتكبها, والتي تدل علي كثير من المفقودين, ويمكن العفو عن المسئول, وتوافر الحماية له, والحماية أيضا مطلوبة لكل من لدية معلومات تفيد في هذه الوقائع, وأرجو إقرار قانون لحماية الشهود للإدلاء عن المتورطين في هذه القضايا. سألت اللواء سيد شفيق( مدير مباحث العاصمة) عن دور الداخلية في هذا الشأن, وهل من جديد في هذا الموضوع, وإذا كانت هناك إحصاءات عن العدد؟ أجاب: لا توجد لدينا إحصاءات, والقصة كلها عبارة عن بلاغات عن مفقودين خرجوا أيام الثورة, باختصار محاضر, وبلاغات غياب كثيرة والمباحث تقوم بدورها, وهناك متابعة. وفي تقديري أن المفقودين ربما ماتوا, وتم دفنهم دون معرفة شخصياتهم, وقد يكون منهم من سافر للخارج دون علم ذويه, وبعيدا عن المنافذ الشرعية!. هذا هو ملخص كلام مسئول الداخلية عن ملف المفقودين!!. ويعترف اللواء علي عبد الرحمن( مساعد وزير الداخلية الاسبق) بأن هناك بعض التقصير من جانب الداخلية في هذا الشأن فيقول: في حالة فقد شخص يتم تحرير محضر غياب والنشر عنه, ويتم مراجعة حالات الوفاة والاصابة, فلو هناك جثة مجهولة يتم مراجعة الاوصاف, والملابس والمتعلقات الشخصية من خلال إدارة الغياب بمصلحة الأمن العام, وإذا تم التعرف علي الشخصية المجهولة ومطابقتها مع حالة مفقودة يتم كف البحث عنها, ويظل البحث مفتوحا عن الباقي حتي يتم التعرف عليهم, وبعد مرور أربع سنوات يعتبر الشخص مفقودا, ويحق لذويه الإرث وخلافه, وعدم وجود بيانات كافية عن المفقودين يعني وجود تقصير من الأمن أو الغياب عن القيام بهذا الدور, خاصة أن البحث الجنائي كان يعتمد علي التوقع والتنبؤ والنظرة المستقبلية الآن, نحن نفتقد هذا الدور الذي كانت تقوم به أجهزة الأمن, وترصد الحدث قبل وقوعه. ما يحدث الآن أن الأمن لا يتحرك إلا بعد أن نفاجأ بالحدث والإجراءات والخطط المتبعة فيها رتابة وبطء وتتبع وفق المستجدات, نحن بحاجة لجهاز شرطة وطني يعود لسابق دوره المعهود. يقول اللواء محمد شوشة( محافظ شمال سيناء السابق) والذي كان يشغل منصب المحافظ أثناء الثورة: هؤلاء الشباب الذين فقدوا أيام الثورة من شمال سيناء في الغالب توفوا, وتم دفنهم دون الكشف عن شخصياتهم, لكن لا أعتقد أن هناك حالات تم خطفها لطلب فدية مثلا, أما ما تردد عن وجود شباب تم خطفهم من خلال حماس يقول: بالفعل هناك ثلاثة من ضباط الشرطة تم خطفهم من خلال حماس وتهريبهم لقطاع غزة, وهم رهينة حتي الآن, ولم يتم الإفراج عنهم حتي هذه اللحظة! هذه الواقعة حدثت عندما تم مهاجمة قسم شرطة ثان العريش. غياب إعلامي وأسأل الدكتور صفوت العالم( أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة) هل هناك تعتيم علي هذا الملف أم أن الأحداث المتسارعة لا تعطي الفرصة للتركيز عليه؟ يقول: هناك عدة احتمالات منها حالة الفوضي التي نعيشها, وانشغال المؤسسة الأمنية بمواجهة المتظاهرين والعنف والعنف المضاد في ظل هذه الأجواء تغيب مهمة البحث الجنائي, خاصة أن البحث الأمني منهك ومجهد, ولا توجد معلومات متوافرة. إذن في ظل الفوضي تغيب حقائق كثيرة, وربما لا يصل إلي شيء, لذلك نحن بحاجة لأن يستعيد الأمن دوره, كما أن الإعلام لم يركز علي قضية المفقودين بالشكل المطلوب.