مع الأحداث الساخنة والمتلاحقة التي تشهدها مصر حاليا, تبرز أهمية دور الإعلام في التعبير عن فئات الشعب المختلفة, ونقل كل وجهات النظر حتي يؤكد أن الإعلام أصبح بعد ثورة يناير إعلاما للشعب وليس اعلاما لتجميل وجه النظام, فهل استطاع الاعلام الحكومي أن يتحول ويحقق هذا الهدف أم أنه مازال إعلاما للنظام, هذا التساؤل كان موضوعا لهذا التحقيق. تقول د. ليلي عبدالمجيد عميدة كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية: الإعلام المصري مازال مرتبطا بالسياسات العامة للنظام وكان طموحنا بعد ثورة يناير تحقيق مبدأ الحرية, ومنها حرية الإعلام والتعبير عن الرأي وفعلا لمسنا الي حد ما بعض التغيير وبدأ الإعلاميون يحاولون طرح كل وجهات النظر ويختلفون مع سياسات النظام, لكن للأسف ظهر مبدأ أن من يملك يحكم, فمن يملك هو الذي يحدد السياسات وعلي الذين يعملون في وسائل الإعلام أن يحكمهم شرط الضمير, حتي لو كانت قناعاته السياسية غير متوافقة مع المكان الذي يعمل به, وذلك حتي يكون أمينا مع جمهوره وضميره وإحساسه الوطني, وفي الأيام الماضية سمعنا عن استقالة بعض قيادات ماسبيرو والبيان الذي أصدره بعض مذيعي التليفزيون, وبالفعل بعد الثورة كان الاعلاميون يحاولون أن يكونوا عند حسن ظن المشاهدين لكنهم يواجهون بضغوط, سواء في الإعلام الحكومي أو الخاص, لذلك نريد أن ينص الدستور علي الفصل بين ملكية وسائل الإعلام وأسلوب ادارتها وسياساتها التحريرية, حتي يستطيع الاعلام بالفعل أن يكون اعلاما للشعب. تقول د. مني الحديدي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: في ظل هذه الظروف نحن في حاجة الي إعلام وطني يراعي مصلحة الوطن وتحقيق أهداف الثورة, أما الممارسات الاعلامية الحالية سواء كانت قنوات رسمية أو خاصة, فهي في حالة تخبط وكل منها يحقق أهداف التبعية طبقا لتبعية الملكية والادارة, والتليفزيون الرسمي نفس الشيء لان تبعيته للحكومة, ولا ننتظر في ظل هذه الهيكلة أن نحصل علي إعلام وطني طالما التليفزيون المصري يتبع وزير الإعلام, فسيظل عاكسا للوزارة ولسياستها وأري أن الإعلام في تغطيته للأحداث الأخيرة اتسم بالتخبط, فبدلا من تبصير الناس بمواد الدستور المطروح للاستفتاء, حتي يأتي قرار كل مواطن مبنيا علي فهمه الدقيق لبنود هذا الدستور, نجد ذلك لم يحدث, بل قدم الإعلام برامج للصياح لا يستفيد منها المشاهد. ويقول د. حسن علي أستاذ ورئيس قسم الإعلام بجامعة المنيا: إن الإعلام الحكومي سواء صحف قومية أو إذاعة وتليفزيون, قد تغير ولاشك في ذلك, لكن التغيير بدرجات متفاوتة, هذا التفاوت في التغيير ارتبط بقرب وبعد قيادات المؤسسات الإعلامية من صناع القرار والسلطة, فلأول مرة في تاريخ الإذاعة والتليفزيون في مصر نسمع أصواتا معارضة من خلال تليفزيون الدولة, وهذا مؤشر يدل علي أنه حدث تغيير إيجابي لصالح الرأي والصوت الآخر, لكن المشكلة في رأيي أنه في الأزمات يتحول من تليفزيون دولة الي تليفزيون تيار بعينه أو مجموعة تيارات بعينها, والسبب في هذا ليس لوجود وزير إخواني علي رأس جهاز الإعلام, لكن السبب غياب فرق طوارئ في قنواتنا تعلم كيف تدير أزمة وبالتالي كثير من الآداء الإعلامي الحكومي( مسموع مطبوع ومرئي) ترك للعشوائية, واجتهادات رئيس كل قناة أو رئيس تحرير كل صحيفة, وبالتالي فقد يكون أحدهم ملكيا أكثر من الملك. أيضا حدث تغيير ونقلة نوعية في الصحف والقنوات الخاصة, وهو تغيير أتاح مساحة للمعارضة أضعاف ما أتاحته الوسائل الحكومية للإخوان ولم تغلق صحيفة أو قناة, هذا كله يدل علي أن الإعلام المصري تغير للأفضل في جو من الحرية غير المسبوقة وهي حرية منتزعة انتزاعا ولم تكن منة أو منحة من الحاكم. وتقول الكاتبة والناقدة د. عزة هيكل: الإعلام المصري مازال يحاول أن يخرج من التبعية للنظام ولكن هذا الصراع جزء من صراع الشعب المصري بأكمله, حتي يتعلم بحق وبجد معني الديمقراطية وقيمة الحرية, فالإعلام المصري يتكون من مجموعة من الإداريين ومجموعة من الفنيين ثم مجموعة من أصحاب الرأي والفكر من الإعلاميين, ومن ثم فإن معظم القطاع الإداري والفني يعيش في ظل ومفهوم البيروقراطية والالتزام بقرارات الرؤساء, وهذا فكر عام داخل المجتمع المصري, أما الإعلاميين وليس جميعهم, فكثير منهم لديه رؤية وموقف وفكر سواء من الكبار أو من الشباب, فالكبار يقاومون بالابتعاد والصمت أو محاولة العمل برمزية وحرفية ومهنية, أما الشباب فموقفهم واضح وصريح لأي اتجاه فكري يعتنقونه وخاصة الاتجاه الحر, فهؤلاء الشباب قد يصيبهم نوع من الثورة والتمرد علي النظم والقرارات الإدارية والرؤساء ومن ثم يتخذون مواقف حادة ويصطدمون دوما مع كل من يحاول فرض السيطرة أو الهيمنة علي أفكارهم الحرة, وفي النهاية أظن أنه سيحدث نوع من الملائمة بين الثورة الشبابية وبين حكمة الكبار, وفيما يتعلق بحرية الإعلام والتزامه بالمبادئ العامة وأخلاقيات المهنة, وتعبيره عن الشعب المصري بأكمله وليس عن اتجاه الرئيس المباشر أو الحزب الحاكم, فإن الإعلام الرسمي سيظل دوما معبرا عن توجهات الدولة وخاصة فيما يتعلق بالسياسات العامة والأمن القومي, وأري أن الإعلام حاليا في مرحلة صعبة وحرجة ودقيقة, ويواجه بنوع من الإرهاب وفرض السيطرة والهيمنة من مجموعات فكرية متطرفة ومتعصبة.