في خلال اليوم وغدا سوف ينتهي الجدل الصاخب في المجتمع المصري حول الدستور.. وليس من شك في أن نعم سوف تجعل المجتمع يتفرغ لقضاياه التي تنتظره بالداخل والخارج.. أما لا فسوف تعيد المجتمع مرة أخري الي تأسيسية جديدة, واستفتاء آخر علي دستور جديد.. هذا ما أكده رأس الدولة.. وهذا ما تفرضه الديمقراطية التي ارتضيناها لنا بعد طول استبداد, وفساد.. لكن يلفت نظري أن بعض الشباب يرون أن الدستور بصورته الحالية والذي سوف يصوتون عليه بنعم أو لا.. يتضمن نصوصا غامضة وتحتاج الي شروحات.. وحسن فعلت بعض وسائل الإعلام عندما تعمدت شرح هذه النصوص مثني وثلاث ورباع, بحيث تصبح بنود الدستور الجديد واضحة لكل ذي عينين.. خصوصا أن هذا الدستور لم يوضع لفئة دون أخري, وانما لكل المصريين, كما أنه لن يوضع لسنة واحدة أو سنتين, وانما لعدة سنوات.. ومن ثم فإن وضوح الغوامض شرط صحي يجب التمسك به. ويحضرني الآن موقف مشابه عندما عرض الدستور الأوروبي للاستفتاء علي الشعب الفرنسي, فقال لا.. وكان لابد أن تعود فرنسا الي سابق عهدها فتتخلي عن اليورو.. والسياسة الخارجية الخاصة بها.. وتتنصل من جميع الاتفاقات التي وقعتها باسم الاتحاد الأوروبي.. وهذا عكس ما تريده النخبة الحاكمة.. فطلب جاك شيراك وكان رئيسا لفرنسا في ذلك الوقت من وزرائه أن يجلسوا مع الشباب ليتولوا شرح الدستور.. وحدث هذا في ندوات.. ولقاءات.. وداخل الجامعات ومراكز الأبحاث.. خصوصا أن رئيس الدولة وقتئذ جلس مع شباب فرنسا الذين أخبروه بأن الدستور الأوروبي غامض وهم في حاجة الي شروحات ضامنة بحيث يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود, وبحيث يقولون نعم أو لا علي شيء مفهوم.. وحدث أن التقي الوزراء أكثر من مرة بتجمعات شبابية.. وقاموا بتبسيط بنود الدستور.. وعندما تم عرض الدستور الأوروبي الجديد علي شباب فرنسا, كانت النتيجة التي نعرفها جميعا: نعم. شيء كهذا يجب أن يحدث في مصر.. وأزعم أنه قد حدث من خلال شروحات بعض القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأخري.. لكن ما يحز في النفس أن البعض يطرح قضايا لا مجال لها في الوقت الحالي, ولا هدف له سوي أن يشغل الناس فيما لا يفيد علي الأقل الآن..!أيا كان الأمر, لا أحد يستطيع أن يحول النعم الي لا أو العكس.. فكل انسان أمين علي صوته.. المهم أن نذهب الي صناديق الاقتراع وأن نقول كلمتنا التي ردت الينا بعد طول غياب.. أما الامتناع عن التصويت ورفض قول نعم أو لا.. فهذا ليس من الديمقراطية في شيء. وقديما قال أفلاطون: أنا أفكر.. إذن أنا موجود.. وأكاد أقول مع بعض التغيير: أنا أشارك.. إذن فأنا موجود.. .. واذا تأكدنا أن مصر ليست لأحد ولكن للجميع.. وكذلك الدستور الجديد لنا جميعا وليس لفئة دون أخري, اعتقد في هذه الحالة أن المشاركة السياسية ستصبح واجبة, أما شغل الناس بقضايا من نوع الجيش أو القضاء.. أو حتي التعليم الآن.. فلا هدف له سوي إلهاء الناس عن مستقبل مصر.. لأن اختيار الدستور الجديد هو تحديد بشكل أو بأخر لمستقبل بلدنا ومستقبل أولادنا وأحفادنا.. وهذه مسئوليتنا اليوم قبل أن يحكم علينا التاريخ بالتقاعس واللامبالاة. المهم أن نشارك اليوم في التصويت ولا نتخلف عن قول رأينا, فالامتناع عن قول هذا الرأي يرقي الي درجة الجريمة في حق مصر اليوم وغدا.. وهذا الوطن لا يستحق منا إلا كل احترام وتقدير.. ولا ننسي أن الصحافة الغربية تكتب في صدر صفحاتنا أن الفراعنة يصنعون حضارتهم اليوم من جديد.. .. ولن أنسي ما قاله لي صالح فرهود, رئيس اتحاد المصريين في فرنسا, من أنه قام بطبع نسخ من بنود الدستور الجديد وقام بتوزيعها علي المصريين في باريس لكي يقولون نعم أو لا علي شيء مفهوم, وسبق لهم أن قرأوه قليلا.. وهذا شيء يحسب للجالية المصرية هناك التي لم يكن يسمع لصوتها أحد.. وكثيرا ما طالبوا بأن يكون لهم دور في الانتخابات والاستفتاءات التي تجري في مصر.. لكن أحدا لم يكن يستجيب لهم.. وكانت أصواتهم أشبه بصرخة في واد!! ويذكر هؤلاء أن النظام الجديد في مصر هو الذي أعطي لهم الحق في المشاركة السياسية.. وكانوا قبلا يطلبون أن يكونوا أشبه بجاليات عربية أخري مثل الجالية التونسية والجزائرية والعراقية والموريتانية.. لكن مطالبهم كانت تضيع سدي. المؤكد أن جموع المصريين سوف لا يترددون في الذهاب الي صناديق الاقتراع, وأن أصواتهم ستوضع لأول مرة في أماكنها الصحيحة, فلا تزييف أو تزوير وانما سيختارون بمحض اراداتهم دستور بلادهم دون ضغوط من أحد.. ولن ينسوا أنهم انما يشاركون في صنع مستقبل بلادهم.. هذا المستقبل الذي تصنعه الشعوب وليس فقط النخب السياسية الحاكمة. المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي