الانقسام والاستقطاب الحاصل الآن في الشارع المصري, جعل الكثيرين يدركون أن ما يحدث لا يمكن أن نطلق عليه حراكا سياسيا, أو أنه جزء من ممارسة ديمقراطية سليمة, فلا الحراك يعني الاقتتال الداخلي ودخول البلاد في دوامة من العنف والفوضي, ولا الديمقراطية تعني الاستبداد بالرأي وإقصاء رأي الآخرين, وعندما تنقسم البلاد الي فرق متناحرة ومتصارعة, فإن أعداء ثورة يناير والكارهين لها يجدونها فرصة جيدة لتنفيذ مخططهم الرامي الي وأد الثورة واقتلاع جذورها. حدث ذلك في مليونية الثلاثاء72 نوفمبر الرافضة للإعلان الدستوري الرئاسي, فقد رأينا ولأول مرة أعدادا من حركة آسفين ياريس وقد اندسوا وسط الحشود التي ملأت ميدان التحرير, برغم محاولات بعض الثوار اخراجهم من الميدان بسبب رفعهم لافتات تحمل اسم الرئيس السابق. ومما يزيدنا حزنا وأسي, أن نري شركاء الأمس الذين وقفوا معا في ثورة يناير يدا بيد, يجمعهم هدف واحد, قد تفرق شملهم وتشتت جهودهم وانقسموا الي فريقين متباعدين في الرؤي والمواقف والأهداف, الأمر الذي حدا بأحد نشطاء الثورة حين سئل عن شعوره إزاء الحشود التي شهدها ميدان التحرير, فكان رده بالقول إنني برغم ما أشعر به من سعادة إلا أن لدي مخاوف كثيرة, لأن من بين الموجودين داخل الميدان متظاهرون لا ينتمون لأي حزب, وآخرون حضروا من أجل إشعال نار الفتنة وجرنا الي حرب أهلية, هؤلاء جميعا يصعب علي الأحزاب أن تسيطر عليهم وتفرمل جموحهم وعنفهم, فهم لديهم أهداف مغايرة لما تنادي به التيارات والقوي الحزبية الأخري. ومع تواصل المظاهرات, سواء المؤيدة للرئيس أو المعارضة له, وما يصاحبها من صخب وضجيج تغيب بوصلة الحوار ونفتقد للحل ويتمسك كل فصيل برأيه, بصورة تزيد من بؤر التوتر وتعمق الخلافات بين أبناء الوطن الواحد. نأمل أن تنتبه القوي الفاعلة في المجتمع إلي ما يحاك للثورة من قبل أعدائها, والمتربصين بها, وأن تدرك أنه لا سبيل أمامها للتصدي لهذه المخططات سوي السعي لجمع الشمل ووحدة الصف والترابط والوصول الي توافق وطني, حتي تستكمل الثورة مسيرتها وتحقق كامل أهدافها.