هي الورقة الرابحة دوما التي يجيد أعداء الثورة استخدامها للنيل منها.. عندما تصبح كل الأبواب موصدة أمام أي محاولة للإجهاض.. وعندما تصبح الحشود الغاضبة أقوي من أي طرف يستهدف إسكاتها وإرهابها وتخويفها.. هنا يكون اللجوء إلي الحل السحري للقضاء علي الثورة بتمزيق وحدتها وتفتيت صفوفها وبث الفتنة بين قواها. علي مدار عام مارس المسئولون عن إدارة البلاد هذه اللعبة بمهارة أدخلوا القوي السياسية في جدل عقيم وللأسف بلع الجميع الطعم فكان اللهاث وراء إحراز أهداف خاصة بغض النظر عن مصلحة أعلي للوطن كانت تقتضي تكاتف القوي لا تنافرها لتحقيق أولا الهدف الرئيسي للثورة وهو إسقاط النظام وثانيا مواجهة كل المخططات والمؤامرات وسد الطريق أمام أي محاولة يشنها أعداء الثورة لإجهاضها ووأد حلمها بالتخلص من نظام فاسد. تفرقت القوي السياسية فسهلت الطريق أمام كارهيها لمواصلة مخططهم الخبيث.. كانت الخطوة الثالثة لهم تشويه الثوار واتهامهم بالخيانة والعمالة في محاولة حقيرة لبناء حائط سد بينهم وبين الشعب الذي لا تكف آلات الإعلام الممجوج للدوي علي رأسه بهذه السموم لتدفعه إلي لعنة الثورة وكراهية الثوار. كادت هذه الخطوة تؤتي ثمارها إلا أن المسيرات الثورية الرائعة التي طافت أنحاء البلاد في ذكري إحياء ثورة 25يناير كانت كافية لتوصيل رسالة أن الثورة مازالت مستمرة وقادرة علي الحشد.. قوة الرسالة وحجم الغضب الذي ارتفعت به الحناجر الثائرة المطالبة بإسقاط حكم العسكر دفع المتآمرين عليها لشن مزيد من الهجوم. لكن يبدو أن هؤلاء الشباب استوعبوا سريعا الدرس وهو ماظهر واضحا يوم الجمعة الماضية في ميدان التحرير عندما تصدت الجموع لبعض الهتافات المحرضة علي مدينة بورسعيد وأهلها بهتافات أعلي صوتا (بورسعيد بريئة دي مؤامرة دنيئة).. »بورسعيد مش بلطجية دي مؤامرة الداخلية«.. فهم الثوار مايحاك لهم فلم يقعوا هذه المرة في الفخ.. لم يستجيبوا لتصريحات المشير طنطاوي.. »لماذا يسكت الشعب ويسيب الناس تعمل كده«.. كلمات صادمة أوربما كاشفة للنوايا الحقيقية التي يدير بها العسكر شئون البلاد.. لذلك كان الرد من الميدان سريعا (الشعب والشعب إيد واحدة ويسقط يسقط حكم العسكر).. وصلت الرسالة سريعا وجاء الرد أسرع (إرحل) فكم من الدماء والشهداء والعيون ينتظرها العسكر حتي يدركوا أن سياسة (فرق تسد) فقدت صلاحيتها وكان عليهم أن (يلعبوا غيرها) هذا إذا ما كانت لديهم حتي الآن قدرة علي التآمر أو اللعب. سلسلة من الفزاعات أطلقتها مجموعة من جرائم السطو المسلح استهدف بنوكا وشركة نقل أموال وشركة بريد وشركة صرافة، تتابع هذه الجرائم فتح أبواب الشك علي مصاريعها.. وأشار بأصابع الاتهام صراحة إلي القائمين علي أمور البلاد لإثارة مثل هذه الجرائم في هذا التوقيت بالذات لبث مزيد من الذعر في نفوس الغالبية من الشعب ليتمسك ببقاء حكم العسكر باعتباره ملاذ الأمن الأخير. زادت الشكوك مع المذبحة التي وقعت في استاد بورسعيد التي راح ضحيتها أكثر من سبعين شهيدا إضافة إلي أكثر من ألف جريح.. حدث ذلك بينما أكدت التقارير أن جهة سيادية حذرت من تسلل عناصر من البلطجية إلي مدينة بورسعيد قبيل المباراة.. ومع ذلك وقعت الكارثة التي لا تفلح معها أي محاولة للتبرير أو الإقناع سوي أنها جزء من مؤامرة تستهدف تخويف الشعب واللعب علي مشاعره في اتجاه كراهية الثورة.. بدا ذلك واضحا من طريقة تناول البرامج الرياضية المعروفة ومقدميها التابعين دوما لأي نظام وعلي رأسهم »شوبير« الذي أطلق حنجرته مولولا وصارخا وكاشفا رأسه ليدعو علي الثوار واللي خدناه من الثورة.. بشاعة ما حدث في استاد بورسعيد تتطلب موقفا جادا من نواب مجلس الشعب ليتناسب مع حجمها، لا يكتفي بالبيانات ولا بالتصريحات الجوفاء وإنما خطوة واضحة لمحاسبة المسئولين والمطالبة بإقالة وزير الداخلية بل ومحاسبة الحكومة كلها علي هذا التقصير. وأمام هذه السلسلة المفضوحة من المؤامرات يجب أن ينتبه شباب الثورة علي ما يحاك ضدهم.. فأخطر ما يمكن أن تبقي به الثورة أن يصل الخلاف بينهم إلي حد الاقتتال والتناحر.. فهذه بالفعل هي أكبر كارثة يمكن أن تؤدي إلي إجهاضها.. وللأسف بوادر الصراع الحاد طفت علي السطح مؤخرا.. والأكثر أسفا أن يقع الشباب في فخ التطاحن رغم أننا كنا نعول كثيرا من الآمال عليهم ونثق أنهم أكثر حذرا.. وحرصا في الوقوع في مثل هذا الخطأ الذي سبق أن وقعت فيه القوي السياسية.. ودفعنا جميعا ثمنه وقتا وجهدا واستنزافا لطاقة كان من الممكن أن توظف لاستكمال مسيرة الثورة علي نحو أكثر نجاحا وأسرع خطي وأشد ثباتا.. ظهر ذلك واضحاً أمام مجلس الشعب عندما اصطف شباب الإخوان كدروع بشرية بدعوي حماية البرلمان.. الأمر الذي استفز مجموعة أخري من الشباب الثوري الذي أراد الوصول إلي المجلس لتقديم مجموعة من المقترحات المتعلقة بتسليم السلطة.. انتهت المواجهة بتراشق وهجوم وآخر مضاد وقع علي إثره إصابات عديدة بين كلا الطرفين. ما حدث في رأيي كارثة يتحمل وزرها الجميع.. ابتداء ممن أعطي الأوامر لشباب الإخوان لأن يتحولوا لدروع بشرية بدت أقرب لقوات الأمن المركزي في مواجهة رفقاء الثورة.. أيضا أخطأ شباب الإخوان بتنفيذ هذه الأوامر التي لا تصب إلا في اتجاه الاحتقان والفرقة بين الثوار.. ولا أعرف لماذا خانهم تقدير الموقف هذه المرة رغم أنهم نجحوا كثيرا في شق عصا الطاعة في أحداث خطيرة سابقة كادت تعصف أيضا بشباب الثورة. علي جانب آخر لا يمكن إبراء ذمة الشباب الذين رشقوا بالحجارة الدروع البشرية التي كونها شباب الإخوان حتي وإن كان مبررهم وراء ذلك هو التعبير عن الغضب والثورة علي أصدقاء الأمس الذين تحولوا في نظرهم إلي عصاة للأمن وجلادين للسلطة.. يجب أن ينتبه الجميع.. خاصة الشباب.. أن هدف الثورة بإسقاط النظام لم يتحقق.. وأن أعداء الثورة لن يكفوا عن استخدام ورقتهم الخطيرة »فرق تسد« للنيل منهم وإجهاض هذه الثورة العظيمة. مازال الأمل في إسقاط النظام لم يتحقق.. علينا أن نعي ذلك جيدا.. وندرك أيضا أننا لن نحقق ذلك إلا إذا كنا بالفعل »إيد واحدة«.. بقوة الشباب ووعيهم فقط يمكن أن نسد الطريق علي المخطط الدنئ للنيل من وحدة القوي الثورية.. فلا تدعوه ينهككم بمؤامراته ومناوراته ليسهل ضربكم.. ثقوا أن الهدف النبيل للثورة يستحق الارتقاء وتجاوز الخلافات لنلتقي في منتصف الطريق.. اختلفوا كما شئتم لكن لا تنسوا فضل كل منكم علي الآخر.. ولا تضيعوا الهدف الأكبر الذي خرجنا جميعا من أجله »إسقاط النظام الفاسد«.. اتحدوا يرحمكم الله.