"الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها".. حكمة تعلمناها صغارا ونسيناها كبارا ونسيها من بعدنا الكبار والولاة والأمراء والنخبة والملأ.. تحدث فى مصر الآن فتنة كبرى تشتعل من حولنا فى كل شيء.. حتى أنها أتت على كثير من الأخضر ولكن بفضل الله لم تحول كل الأخضر إلى يابس.. فالصديق لم يعد يحتمل صديقه. والأخ فى البيت لم يعد يحتمل أخاه.. وبتنا لم نعد نرى إلا التعصب.. التعصب للرأى والتعصب لجماعة والتعصب لفرد نحسب أنه لا يخطئ أو أنه مبعوث العناية الإلهية.. فكلنا مخطئون ومتعصبون ولا أستثنى أحدا. ملعونة ملعونة ملعونة تلك الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعى كفيسبوك وتويتر التى ما أن تطرح فيها رأيا حتى تجده إما محرفا أو منقوص الفهم عن عمد.. وفجأة ترى تعليقا مخالفا لما كتبت وفى طريق آخر غير الذى قلت ومن نوعية النكتة الشهيرة "والله رخيص يا شيخ". والنكتة لمن لا يعرفها تقول: جاء أحد الأشخاص بحذاء جديد لصاحبه، فقال له ما رأيك فى هذا الحذاء؟ فرد صاحبه عليه: بكم؟ فرد صاحب الحذاء: ده بني! فرد صاحبه: والله رخيص يا شيخ. والمعنى أن الحوار فى أحيان كثيرة يكون بين رأيين لا يريد الآخر أن يسمع أخاه أو صديقه.. فهذا يسأل عن الكفاءة والإتقان والذوق والآخر يرد عليه فى اتجاه مختلف تماما ويسأل عن القيمة.. فيرد الأول لتأكيد وجهة نظرة دون النظر لوجهة نظر الآخر ويؤكد على ذوقه وأنه اشتراها بنية اللون.. وهو ما فعله الآخر أيضا وصمم على رأيه فى التعبير عن القيمة وأجاب بأنها رخيصة. فكلا الشخصين لا يريد الاستماع إلى الآخر.. كأنه لا وجود للآخر أو كأنه لا يراه ولا يسمعه ولذلك جاءت مقولة "حوار الطرشان". والتعصب موجود أمد الدهر ولكنه فى الماضى كان أقل انتشارًا من الآن لنظرا لصعوبة انتشار الفكرة بين الناس إلا بعد وقت طويل، فلم تكن وسائل الاتصال الحديثة موجودة.. وهذا منطقى ومفهوم. ولكن غير المفهوم هو لماذا أصبح التعصب سهلا؟ والكذب صار أسهل منه ؟.. على الرغم من أن هناك شبكة إنترنت تستطيع أن تتأكد فيها من المعلومة لو أردت، وتستطيع أن تعرف هل قال هذا أو ذاك ذلك التصريح أم لم يقله.. وتستطيع أيضا أن تتأكد عبر "يوتيوب" عن صحة الكلام والأقوال وحتى الحوادث الكبري. إنها التكنولوجيا والغباء وقلة الضمير حينما تجتمع ينتج أكثر من هذا.. خذ عندك مثلا برنامجا مثل الفوتوشوب تستطيع به أن تعطى أنياب الذئب لأحد أعدائك دون أن يولد بها أو دون أن يتربى وسط مجموعة من الذئاب.. ولكنك أنت الذى حولته فى لحظة واحدة إلى وحش كاسر وذئب ماكر لأنه قال رأيا لا يعجبك ثم تحوله بضغطه زر عبر حسابك على فيسبوك أو تويتر إلى مادة سخرية يتناقلها الجميع. ومن الغباء أيضا أن يُعطى كل الناس مكبرات صوت لكى يقولوا آرائهم فى وقت واحد.. فيصبح الرأى زعيقا وصراخا ويصبح النقاش فوضويا وضجيجا.. وتصبح الحرية سجنا بين الأصوات الخشنة والأصوات الداعية للفتنة. ما الهدف من كل ذلك؟! لا شيء إلا الانتصار لرأيك وتعصبك. وعبر فيسبوك وتويتر يحدث كل ذلك فلم يعودا مكانا للتواصل الاجتماعى ولكنهما أصبحا مكانا للتناحر والتنافر الاجتماعي. فما يحدث معى ومعك على فيسبوك وتويتر وأصدقائنا ليس إلا مثالا للتعصب والاختلاف والتناحر والتنافر.. فاختلاف الناس حول البديهيات والمنطق واقتتالهم من أجل كلمة تقال هنا وهناك دون تأكد.. سواء أكانت بالخطأ أم بالصواب. وتوجيه اتهامات وتهديدات وشتائم نهانا عنها ديننا الحنيف لا تليق لمجرد مناقشة فكرة ورأى. وأتعجب ممن ينشر عبارة عمر بن الخطاب "أميتوا الباطل بالسكوت عنه.. ولا تثرثروا.. فينتبه الشامتون".. ثم بعدها بعدة دقائق ينشر صورة كاذبة عمن خالفه الرأى. لو أننا جميعا ابتعدنا عن نشر صور للموتى والقتلى والصور الكاذبة الملفقة بالفوتوشوب والآراء الداعية للفتنة وأن هذا القائد اجتمع مع ذاك، وأن هذا هو رأس الفتنة، وأن ذلك هو الذى فجرها، وأن أولئك ما كان ينبغى لهم أن يكونوا هنا، وأولئك ما كانوا لهم أن يذهبوا إلى هناك.. لكان أفضل تطبيق لكلمة الفاروق عمر أميتوا الباطل. ولكانت أفضل طريقة فى إماتة الفتنة. [email protected] توتير| @astantawi