عرضنا فى المقال السابق كيف يتلاعب أعداؤنا بمشاعر الأغلبية الكبيرة من مواطنينا ويوجهونهم إلى حيث يريدون لتدمير صورتهم أمام العالم وإظهارهم بمظهر الإنسان المتوحش الذى يسير وراء ما يريده عدوه فى عمى سياسى كامل وجهل تام يمكن العدو من تحقيق أهدافه التى أصبحت واضحة وضوح الشمس.. سواء كان هدف العدو إعادة صياغة حدود دول المنطقة وتفتيتها إلى دويلات صغيرة متعادية على أساس عرقى أو دينى أو طائفى، ورأينا مع الأسف والألم كيف تستجيب أغلبية كبيرة من مواطنينا إلى ما يدفعها إليه عدوها لتحقيق أغراضه، وهى تظن أنها تقوم بواجب مقدس دفاعاً عن دينها ورسوله الكريم، فتترك المجرم الحقيقى والعقل المدبر لكل هذه الشرور، وتقتل بدلاً منه من لا يد لهم فى هذه الجرائم المنكرة أو تحرق مبانى وطنها وسيارات شرطتها التى تدفع بلادنا ثمنها، ويستمر المجرم الحقيقى فى السير فى مخططه لتحطيمنا سواء بشرذمة دولنا أو نهب مواردنا وعلى رأسها النفط الذى تتكالب عليه ذئاب الدول الكبرى المسعورة، وذكرنا أن أكثر ما ألمنا وحز فى نفوسنا أن أغلبيتنا العمياء سياسياً لا تتعلم من دروس الماضى شيئاً، فيتشجع العدو ويكرر جرائمه بالأسلوب نفسه حرفياً تقريباً، كما حدث مثلاً مع الكتاب الوضيع المسمى «آيات شيطانية» لمؤلف تافه مغمور وصل إلى قمة الشهرة العالمية صاعداً على سلم غبائنا السياسى، وكما حدث مع رسام كاريكاتورى دنماركى يماثل فى الخسة والحقارة زميله مؤلف الآيات الشيطانية، ومرة أخرى رفعناه لقمة الشهرة والثروة الحرام فوق سلم غبائنا السياسى. وعرضنا فى المقال الأول ما نشره كاتب شريف هو ماكس بلو منتال فى جريدة «الجارديان» البريطانية يوم 13 سبتمبر، موضحاً أن الجريمة الأخيرة الخاصة بالفيلم المسىء لنبينا صلوات الله وسلامه عليه، وكانت من صنع مجموعة من غلاة المتعصبين اليمينيين فى حلف غير مقدس مع أفراد من أقباط المهجر الذين جن جنونهم نتيجة سقوط حكم مبارك الذى كانوا يظنون أنه حاميهم من تيار الإسلام السياسى وأنه كان مدعوماً من سادته فى واشنطن وتل أبيب، وأوضح بلومنتال أن هدف مجموعته الشريرة التى وقفت وراء إنتاج الفيلم الوضيع كان زعزعة الشرق الأوسط حتى لا تقوم مصر من عثرتها الاقتصادية، وتدمير علاقة مصر بأمريكا والتركيز على أن مصر بدأت استرداد حرية قرارها السياسى بما يهدد مصالح أمريكا وكلب حراستها الإسرائيلى فى المنطقة. واستطرد بلومنتال قائلاً إن المدعو كلاين أحد أقطاب هذه المجموعة الشريرة يعمل معلقاً متحمساً على موقع أفعى السم الزعاف فى هذه المجموعة وقائدتها وهى عضوة الكونجرس المسماة چيلر، وأخذ المعلق المتحمس يشكو من أن رومنى مرشح الحزب الجمهورى للرئاسة يؤيد قيام دولة مسلمة وسط «أرض إسرائيل» أى أرض فلسطين المنهوبة من العرب وسبق لكلاين هذا فى يوليو 2011 الدعوة لعزل عمدة لوس أنجلوس من منصبه متهماً إياه أنه عميل للإخوان المسلمين. ويصر «كلاين» على موقعه أن الإخوان المسلمين شبكة دولية من المتشددين الذين يريدون تحويل الستة مليارات الموجودين حالياً فى العالم إلى الإسلام أو قتلهم جميعاً ويدعو «كلاين» لرد فعل عنيف على ما يراه من خطر للإسلام فى أمريكا. وفى سنة 2011 خلال حملته لإسقاط الشريف باكا عقد «كلاين» حلفاً مع جوزيف نصر الله وهو مذيع قبطى متعصب شاركه فى الخوف والكراهية للإخوان المسلمين ظهر نصرالله فجأة فى مظاهرة تهدف لمنع إنشاء مركز إسلامى فى منهاتن يوم 11 سبتمبر 2010، وحذر المتظاهرين من أن المسلمين يريدون غزو أمريكا، كما سبق لهم غزو مصر!! وقد نظمت المظاهرة بسينسر وچيلر بعناية لتتزامن مع انتخابات الكونجرس النصفية التى حاول خلالها الكثير من المرشحين اليمينيين بالحزب الجمهورى إثارة المشاعر المعادية للإسلام وتحويلها إلى رفض رئاسة أوباما. ومن خلال صداقته لنصرالله قابل «كلاين» متطرفاً قبطياً آخر يدعى موريس صادق الذى كان لا يجرؤ على العودة لمصر لما يردده من عداء شديد للإسلام، وفى أكبر مظاهرة خلال الانتخابات شوهد صادق يوم 11 سبتمبر سنة 2010 يتجول فى واشنطن حاملاً صليباً فى يد وإنجيلاً عليه العلم الأمريكى فى اليد الأخرى ويصيح «الإسلام هو الشر، الإسلام عقيدة زائفة». ومع اقتراب انتخابات أمريكية جديدة فى وقت يسيطر فيه الإخوان المسلمون على حكومة مصر فجأة، وجد «كلاين» و«صادق» ونيقولا جهودهم فى أكبر حملة دعائية حتى الآن وهى إصدار فيلم «سذاجة المسلمين»، وبمجرد ظهور الفيلم أخذ صادق فى نشره على موقعه محولاً النص الغامض إلى مصدر لأكبر انفجار للغضب فى الشرق الأوسط، وفى يوم 11 سبتمبر هاجمت الجماهير المصرية الغاضبة سفارة أمريكا بالقاهرة مطالبة بالثأر للرسول، وانتشرت مظاهرات الغضب وامتدت إلى ليبيا، حيث وقع الهجوم القاتل ضد السفير الأمريكى، وربما كان ذلك مصادفة مع ظهور الفيلم. أما بالنسبة ل«صادق» فقد كان العنف الذى وقع تطوراً مشجعاً فقد كان هو وحلفاؤه يعادون الثورة المصرية خشية أن تؤدى لوصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، أما وقد تحققت مخاوفهم فإن المتطرفين من الأقباط ومعهم فلول نظام مبارك حشدوا جهدهم لزعزعة الحكومة ادعوا أن هذه الزعزعة دليل إفلاس الحكومة، وقال «صادق» إن العنف الذى سببه الفيلم فى مصر هو دليل على مدى عنف المسلمين وعقيدتهم. وبالنسبة ليمينى متعصب مثل «كلاين» فإن الهجوم على المصالح الأمريكية فى الخارج يساعد طموحاتهم، عندما يرى الأمريكيون الصور البشعة لعنف المسلمين فى مصر وليبيا، مما يرفع حدة المشاعر السلبية للأمريكيين تجاه جيرانهم المسلمين مما يؤدى بالضرورة إلى تنافس أوباما ورومنى على التشدد ضد «الإرهاب» الإسلامى، وقد كان رومنى دائماً معتدلاً فى مواجهة منافسيه من اليمينيين ولكن أحداث العنف دفعته لأسباب انتخابية إلى اتهام أوباما بالتعاطف مع من قاموا بالعنف، واعتذر للأمريكيين عن تهاون أوباما بالقيم الأمريكية، ولكن هذا الاعتذار أتى بنتيجة عكسية عرضت رومنى لنقد شديد حتى من أعضاء كونجرس جمهوريين، واستغل أوباما الفرصة وأمر على الفور بغارات جوية بطائرات بدون طيارين على أهداف فى ليبيا، مما سيعمق الشعور المعادى لأمريكا فى المنطقة. لقد أثبتت مجموعة من المتطرفين أنه بقليل من المال وبإصرار لا يمكن تصوره على الشر، تستطيع صنع التاريخ وتحقيق أهدافها، ولكن فى النهاية لم تكن هذه المجموعة فى مأمن من العنف الذى سببته، فطبقاً لإحدى الصحف العربية المهتمة بأخبار الأقباط فإن «صادق» شوهد يتجول فى أحد شوارع واشنطن الرئيسية فى استرخاء تام يوم 11 سبتمبر فى شمس ساطعة، وفجأة هجمت عليه أربعة سيدات قبطيات فى غضب شديد وأشبعنه لعناً وسباً لما سببه من إشعال الفتنة الطائفية، ثم خلعت السيدات الأربع أحذيتهن وانهلن بها فوق رأس «صادق»، وصاحت إحداهن: إن حدث أى ضرر للأقباط فى مصر فستكون أنت السبب أيها الملعون. وإلى هنا ينتهى العرض الكامل الذى قدمه الكاتب الشريف بلومنتال لتفاصيل المؤامرة الشريرة اللعينة، وياليت مواطنينا وخاصة المسلمين الذين يكونون الأغلبية يفتحون أعينهم فى نهاية المطاف، ويدركون ما يحاك لوطنهم من مؤامرات تستخدم عدداً قليلاً من أشر أشرار البشر، وتستغل جهل الأغلبية وعماها السياسى لتمزق أواصر وطن عاش معظم تاريخه فى وئام لا يعرف التعصب والكراهية. ورحم الله السياسى العظيم الراحل أحد أقطاب الوطنية المصرية وهو مكرم عبيد باشا الذى قال يوماً قولته الخالدة: أنما مسلم وطناً قبطى ديناً. ----- نائب رئيس حزب الوفد