المواجهة القائمة بين حرية الصحافة ومحاولات أطراف سياسية تكبيلها ليست قاصرة علينا. بل هي قضية ساخنة مثارة في بريطانيا منذ أن أصدر القاضي لورد ليفيسون تقريرا تضمن انتقادا لاذعا لممارسات الصحف الكبيرة والشعبية خاصة صحف مجموعة ميردوخ- تمثل انتهاكا للحريات الفردية سواء بالتنصت أو الابتزاز أو رشوة رجال الشرطة أو اقامة علاقات وثيقة مع السياسيين بغرض التأثير علي السياسات. التقرير كان صريحا في تأكيده فشل لجنة تقصي الشكاوي ضد الصحافة المكونة من رؤساء تحرير ومالكي الصحف الحاليين في منع هذه الانتهاكات, ومن ثم توصيته بتشكيل هيئة تنظيمية مستقلة عن المؤسسات الصحفية والحكومة والنظام السياسي تتولي تطبيق ميثاق جديد للسلوك وتفرض غرامات مالية قد تصل إلي مليون جنيه استرليني لتعويض ضحايا هذه الانتهاكات. وفي محاولة لترغيب القائمين علي صناعة الصحافة علي الخضوغ لميثاق السلوك طوعا تتولي الهيئة تسوية النزاعات بين الصحافة والمتضررين من ممارساتها قبل وصولها إلي المحاكم. لكن ما أثار الجدل كان توصية القاضي بتدخل تشريعي لتحديد اختصاصات هذه الهيئة, واقتراحه بأن يتولي جهاز حكومي يراقب حاليا برامج البث التليفزيوني لضمان التزامها الحياد مراقبة أداء الهيئة المقترحة أيضا. الغريب أن الذي أبدي تحفظه كان ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الذي فضل إعطاء صناعة الصحافة فرصة ثانية لتصحيح أوضاعها علي التدخل التشريعي والحكومي في مراقبتها رغم ما أثاره ذلك من انقسام داخل حكومته الائتلافية. القائمون علي مهنة الصحافة يعقدون قمتهم اليوم في سباق مع الزمن للتوصل إلي صيغة تحفظ لها استقلاليتها وحريتها ومصداقيتها وتحظي بقبول الرأي العام وتضمن استجابتها لتوصيات التقريرعلي نحو يخرجها من فخ التدخل التشريعي أو الرقابة الحكومية. ولكن ما يعنيني هنا هو أن الحوار يجري بين كل الأطراف دون تجريح رغم جديته وسخونته وأن كلمة حبس الصحفيين أو إجبارهم علي ما لا يريدونه لم ترد علي لسان أي طرف. لعلنا نستفيد. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني