صحافة ما بعد الفضيجة خلال أسبوع واحد, وربما في ساعات قليلة, قدم روبرت ميردوخ الامبراطور الإعلامي تنازلات لم يضطر إليها طيلة تاريخه. فقد تنازل عن الاستحواذ علي قناة بي سكاي بي. وقدمت ربيكا بروكس الرئيسة التنفيذية لشركة نيوز انترناشيونال قربانا للمحققين, وقبل المثول هو ونجله جيمس أمام لجان التحقيق, وتأسف لأسرة أحد ضحايا عملية التنصت, ونشر اعتذارا للشعب البريطاني علي صفحة كاملة في كل الصحف الرئيسية البريطانية. كل ذلك لإنقاذ امبراطوريته التي تواجه الآن تحقيقات واسعة في الولاياتالمتحدة بشأن ما إذا كانت مخالفاته القانونية في بريطانيا تشكل انتهاكا للقوانين الأمريكية التي تحظر نشاط مؤسسات تتورط في عمليات رشي لمسئولين. أيا كانت نتائج التحقيقات فمن المؤكد أن الفضيحة قد انعكست سلبا علي مؤسسة نيوز كورب. فسيطرتها علي سوق الصحافة البريطانية ستتقلص, وقدرتها علي ممارسة نفوذها علي السياسيين ورجال الشرطة ستخضع لرقابة لصيقة, ولن تتمكن من تقديم مادة فضائحية تسحب بها القراء من صحف رصينة. وفي ذلك بعض الحسنات ولكن بعض السيئات أيضا. فسوف تصبح الساحة الصحفية أقل منافسة وستفقد رجلا ظل حتي اللحظة الأخيرة عاشقا للصحافة الورقية مدافعا عنها, ومستعدا لتحمل خسائر تقدر بمليون جنيه استرليني يوميا من أجل بقائها وهو ما قد لا يتوفر لدي المشترين الجدد. لنترك امبراطورية ميردوخ لمصير القانون وقوي السوق, ولكن لنأخذ في الاعتبار أنه لم يكن وحده في النفاذ لدي السياسيين وأن شركات البترول مثل بي.بي وصناعة الطائرات العسكرية بي أي إيه وغيرها تمارس نفوذا مماثلا. وهو ما يدفع إلي الحذر من اندفاع السياسيين والبرلمانيين- الذين يريدون الانتقام من فضح الصحافة لحصولهم علي مبالغ مالية بغير وجه حق- إلي المطالبة بفرض رقابة الدولة علي الصحافة. لهذا فمن المهم إدراك أن المشكلة ليست في إصدار تشريعات جديدة فميردوخ انتهك قوانينا كانت قائمة لكن نفوذه حال دون محاسبته. الحل إذن هو عقاب المخالفين بالسجن, وفك الاحتكارات الصحفية, وارتباطات رجال الأعمال بها, وتشديد الرقابة التي تتكفل بها هيئة مستقلة عن المهنة وعن سلطة الدولة أما قدرة الصحافة علي جمع المعلومات وكشف المخالفات فيجب ألا تمس. المزيد من أعمدة سجيني دولرماني