استخدمت حماس عدة مصطلحات عدائية ضد مصر, وفتحت في الأيام القليلة الماضية النيران علي مصر والمصريين والنظام المصري الذي اتهمته بأنه استخدم غازات سامة في تطهير أحد الأنفاق التي يستخدمها المهربون الفلسطينيون في تسريب بضائعهم! وذهب ممثلو حماس الي القول بأن مصر تقوم بعمليات قتل منظم ضد الشعب الفلسطيني وطالبوا السلطات المصرية بفتح تحقيق لمعرفة الأسباب التي اودت بحياة أربعة مهربين من قطاع غزة وإصابة ثلاثة آخرين بتفجيرها نفقا يمر تحت الحدود! والحق لقد غابت عن ممثلي حركة حماس عدة حقائق منها أن السلطات المصرية قد نفت حدوث ذلك شكلا وموضوعا, وبالتالي لا موجب لاجراء تحقيق.. والأهم انهم تعمدوا نسيان ان مصر لا تأخذ أوامرها من أحد, ولا تعمل كغيرها وفق أجندة ما لمصلحة هذه الجهة أو تلك.. ناهيك عن أن الحديث عن مصر أو مع مصر يستوجب قدرا كبيرا من الأدب.. نراه قد غاب كثيرا عن قادة وممثلي حماس في هذه الأيام, الحقيقة الغائبة هي ان قادة حماس يكيلون ليل نهار الاتهام لمصر بتجويع الشعب الفلسطيني وغائب عنهم حقيقة ان معبر رفح المصري لا يعمل وفق قاعدة( السداح مداح) وإنما هناك ضوابط لعمله, فهو يفتح ابوابه ويغلقها بحسب قواعد تنظيمية.. وليس خافيا علي أحد ان الغذاء والدواء والمرضي والطلاب يمرون من المعبر دون تمييز, وهناك تعليمات صارمة في هذا الشأن اصدرتها القيادة السياسية المصرية لتخفيف العبء عن إخواننا في غزة أو الضفة الغربية.. وفي وقت الشدائد كانت قوافل الهلال الأحمر المصري تسبق القوافل الأخري لتقديم الكساء والغذاء.. ليس في هذا الحال أي شعور بالتعالي أو الشماتة, فهو امر ينسجم مع التزامات مصر القومية والعربية, فالقيادة المصرية هي الوحيدة التي اعتدنا أن نجد القضية الفلسطينية بكل تفريعاتها وتداعياتها علي الاجندة السياسية المصرية.. الحقيقة الثالثة هي ان ممثلي حماس قد استمرأوا الهجوم علي مصر, فأحاديثهم, ومعظمها أحاديث إفك تدور طوال الوقت للنيل من مصر( الدور والمكانة والرمز). غابت عن هذه الاحاديث إسرائيل التي تسيطر علي عدة معابر, لكن دون ان يتحدث عنها قادة حماس, وتستخدم الاسلحة المحرمة دوليا في الصدامات ولعل الفوسفور الابيض هو آخر هذه الاسلحة, لكن لم نسمع ان قائدا حماسيا قد فتح عقيرته متهما إسرائيل بشيء أو متوعدا العدو بالرد.. حسبهم وهذا هو ما برعوا فيه ان يناضلوا ليل نهار عبر الفضائيات.. فيتمترس أحدهم وراء الكاميرات ويصوب أتهاماته لمصر وشعبها ناسيا عن عمد التضحيات الضخمة التي قدمتها مصر للإخوة الفلسطينيين منذ حرب1948 وحتي اليوم وفي كل الاحوال, فالثابت ان مصر ليست في حاجة الي اعتراف هذ النفر من قادة حماس, فالتاريخ لا يزيفه هؤلاء أو غيرهم وإنما هو محفور في ضمير الزمن وليس بوسع أحد ان يتلاعب فيه أو به!! الحقيقة الرابعة هي ان استعداء مصر ليس من الفروسية في شيء فالقضية الفلسطينية التي تدور حول ضرورة قيام الدولة الفلسطينية هي قضية مشروعة, والعدو الذي يماطل ويقوم بالتسويف والتأجيل والارجاء معروف ايضا, فلماذا الالتفاف علي ذلك, وإعطاء الانطباع بأن الحرب مع مصر وليست مع إسرائيل.. أم ان قادة هذه الحركة يعملون وفق أجندة أخري لا يعنيها حل القضية حلا عادلا وإنما يعنيها بالدرجة الأولي أن تظل حجة أو ذريعة ليتدخل بمقتضاها هذا الطرف أو ذاك ليجد لنفسه موطئ قدم في رسم المنطقة وتحديد مستقبلها. وكلنا يعرف ان مصر ظلت لفترة طويلة تنتظر اللحظة التي توافق فيها فتح وحماس وباقي الفصائل ووضعت ورقتها الشهيرة وصولا الي صوت فلسطيني واحد( سيكون داعما في حال تحقيقه للتفاوض مع إسرائيل).. لكن حماس ماطلت وأرجأت ونسفت الورقة المصرية لا لشيء إلا لأنها لا تريد سوي ان تبقي حجر عثرة في طريق قيام الدولة الفلسطينية وتروج أكاذيبها التي لا تنتهي حول رؤيتها التي تستقيها من مكاتب وزارات الخارجية التابعة لهذه الدولة او تلك.. الحقيقة الخامسة هي ان مصر لم تكن في يوم من الايام ضد المقاومة.. وهاهو الرئيس مبارك في كلمته الشهيرة أمام القمة الاقتصادية في الكويت تحدث بوضوح عن أنه يؤمن تماما بأنه لا بد من وجود مقاومة مادام هناك احتلال.. وهذا يعني ان احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية سوف يؤكد مقاومة عربية فلسطينية ستلقي كل التأييد والتقدير والمساندة من كل دول المنطقة, لكن ثمة فارقا بين أن تقاوم لكي تحرر ارضك من غاصب محتل وبين ان تتظاهر بذلك وتأخذ من فكرة المقاومة ذريعة لتحقيق مكتسبات ضيقة علي حساب المصلحة العامة هي مصلحة الشعب الفلسطيني في أن تكون له دولة متواصلة الاجزاء وقابلة للحياة, وليطوي بها سنوات من العذاب والجوع والاغتيالات لا يعرفها قادة حماس وبالتأكيد, وإنما يعرفها ويعانيها الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. الحقيقة السادسة هي أن حماس هي مجرد فصيل بين فصائل فلسطينية, ومن الخطأ اللهث وراء كونها حكومة وبها وزراء ومندوبون وتصدر عنها تصريحات وبيانات.. فالصغير قبل الكبير يعرف ان إسرائيل هي التي من مصلحتها أن يتجه الحديث إلي حكومتين, الأولي في رام الله, والثانية في غزة, لتؤكد للعالم أن الفلسطينيين منقسمون علي أنفسهم.. وكلنا يذكر ان الصحافة الإسرائيلية هي التي تحدثت, قبل الجميع عن الدولة الحمساوية في مواجهة الدولة الفتحاوية.. وهدفها من ذلك ان تغيب كلمة فلسطين في الواقع اإعلامي مثلما غيبتها اسرائيل علي الخريطة الجغرافية.. . هذا الأسلوب الذي يرمي إلي أسرلة الخطاب الإعلامي العربي هو بمثابة الطعم الذي ابتلعته حماس وقادتها وممثلوها, وهو ما ترفضه مصر, فالسلطة الفلسطينية ممثلة في محمود عباس ومجموعته هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.. وهذا يعني أن أي حديث عن حكومة حمساوية, هو مسايرة لمخطط اسرائيلي يستهدف طمس ملامح القضية الفلسطينية. لكنا نربأ بحركة حماس ألا تقع في هذا المحظور, لكني ارتأيت انها قد سعدت به, وباتت من أكثر المروجين لفكرة وجود حكومتين, دولتين وشعبين... إنها مجرد حقائق يبدو أنها غابت عن عقول ممثلي حماس الذين اتفقوا علي قضيتهم وصفحوا عن عدوهم الأصلي وعدونا( وهو إسرائيل) وأخذوا يبحثون عن أعداء وخصو م, ناطقين باسم أطراف أخري لا تريد حلا للقضية الفلسطينية, وتسعي الي عرقلة أي تسوية لا من قريب ولا من بعيد ارضاء لنزوات وتحقيقا لأطماع ومصالح ليس منها بالتأكيد أمن واستقرار المنطقة, ولا قيام الدولة العربية الفلسطينية.. هوامش: تحدثت حركة حماس عن140 فلسطينيا سقطوا عند معبر رفح المصري وتجاهلوا عشرة آلاف أسير فلسطيني في سجون إسرائيل وعشرات يسقطون يوميا بالرصاص الإسرائيلي ناهيك عن التجويع والتجريف والاغتيال..! * غاب عن عقل حماس ان عمليات التهريب عبر الأنفاق هي عمليات منظمة تحتكرها جماعات من داخل حماس للثراء والكسب غير المشروع..!!! المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي