انخفاض أسعار الذهب في مصر: تراجع جديد يعيد تشكيل السوق    وزيرة التضامن توجه مديري المديريات بالارتقاء بجودة الخدمات المقدمة للمواطنين    وزيرة التخطيط تناقش معالجة تحديات الديون بالدول النامية من أجل التنمية المستدامة    السعودية تحقق المركز ال14 عالميًا والأولى عربيًا في المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي    أبو الغيط يلتقي الممثل السامي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات في نيويورك    وزير الخارجية: توجيهات رئاسية بتقديم كافة أشكال الدعم للأشقاء في لبنان (فيديو)    وزير الخارجية: نسعى للتوصل لحل سياسي يشمل كل أطياف الشعب السوداني    الدفاع الروسية: إسقاط وتدمير 13 طائرة مسيرة أوكرانية فوق 3 مقاطعات روسية    10 لاعبين عامل مشترك وبرتغالي جديد.. ماذا تغير في الأهلي والزمالك بين نهائي القرن والسوبر الإفريقي؟    وكيله: الزمالك فاوض أحمد ياسر ريان في يناير.. والصفقة لم تكتمل    المشدد 5 سنوات لعاطلين في سرقة الهواتف المحمولة بمنشأة ناصر    هل ترتفع الحرارة مجددًا؟.. بشائر سارة من الأرصاد بشأن حالة الطقس    محافظ المنيا: ضبط 125 مخالفة خلال حملات تفتيشية تموينية مكبرة    أبرزهم الجدي.. 4 أبراج تتقبل النقد    ذكرى ميلاد محمد حسينين هيكل.. تجربة الأستاذ المتفردة في الكتابة بالعربية والإنجليزية    جامعة بنها تنظم قوافل طبية وبيطرية بقريتي الرملة والحصة    المشاكل الصحية المسببة للتسوس.. تعرفي عليها    الصحة تعلن حصول 3 مستشفيات على شهادة اعتماد الجودة من GAHAR    حملات للتبرع بالدم بمديرية أمن الشرقية (صور)    حقيقة قائمة الأهلي المسربة لمباراة السوبر الأفريقي أمام الزمالك    موعد مباراة الأهلي المقبلة أمام القادسية في دوري روشن السعودي    تداول أكثر من 2500 حاوية في ميناء الإسكندرية خلال 24 ساعة    التعليم: تشكيل لجنة لإعادة النظر في الإجازات غير الوجوبية والإعارات    مدرجات مجهزة ولوحات إرشادية.. جامعة الإسكندرية تنهي استعداداتها لبدء الدراسة- صور    محافظ أسوان يطمئن الأهالى: صرف مصنع كيما يعالج صناعيا بطرق جيدة    بالصور.. حريق هائل يلتهم ديكور فيلم إلهام شاهين بمدينة الإنتاج الإعلامي    بعد قليل.. محاكمة 13 متهمًا في خلية داعش كرداسة    وزير الدفاع يشهد مشروع مراكز قيادة للقوات «الجوية» و«الدفاع الجوي»    وزير الخارجية: قضية المياه وجودية لدى مصر    الأوبرا تحتفل بذكرى بليغ حمدى الخميس المقبل    رئيس جامعة القاهرة يستقبل 3 عمداء كليات الصينية لبحث سبل التعاون    ما حكم الخطأ في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟.. «اعرف الرأي الشرعي»    وزير العمل: الدولة تسعى لصناعة قوى عاملة مؤهلة ومدربة وعالية الإنتاجية    وكيل تعليم مطروح: تفعيل استخدام المعامل وانضباط العملية التعليمية بالمدارس    «معلومات الوزراء»: توسع صناعة التكنولوجيا المالية خلال 10 سنوات حافز قوي لنمو الاقتصاد    أحمد فتوح يخوض تدريبات فردية فى الزمالك    «معلومات الوزراء»: تردد أكثر من 28 مليون مواطن على عيادات التأمين الصحي في 2023    موتسيبي: التمويل سبب أزمة الكرة الإفريقية    وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة الاستراتيجي التعبوي    انخفاض المؤشر الرئيسي للبورصة ببداية تعاملات اليوم الثلاثاء    «فرص لوظائف عالمية».. وزير التعليم العالي يهنئ «النيل للهندسة بالمنصورة» لاعتماده من «ABET» الأمريكية    بالفيديو.. أسامة قابيل للطلاب: العلم عبادة فاخلصوا النية فيه    بعد قليل.. الحكم على البلوجر سوزى الأردنية بتهمة سب والدها على الهواء    إصابة 4 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين على الطريق الزراعى الشرقى بسوهاج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    الخطوط القطرية تعلق رحلاتها من وإلى بيروت حتى يوم غد    نجم الأهلي السابق يكشف توقعاته لمباراة القمة في السوبر الافريقي    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    أبو الغيط يوقع مذكرة تفاهم الجامعة العربية ومنظمة التعاون الرقمى بنيويورك    أحمد سعد يتحدث عن عودته لمصممة الأزياء علياء بسيوني    وكيل ميكالي: الأرقام المنتشرة عن رواتب جهازه الفني غير صحيحة    مدين ل عمرو مصطفى: «مكالمتك ليا تثبت إنك كبير»    نجيب ساويرس: ترامب وكامالا هاريس ليسا الأفضل للمنطقة العربية    «الباجوري» بعد تصوير «البحث عن علا 2» في فرنسا: لم أخشَ المقارنة مع «Emily in Paris»    مريم الجندي: «كنت عايزة أثبت نفسي بعيدًا عن شقيقي واشتغل معاه لما تيجي فرصة»    قنصل السعودية بالإسكندرية: تعاون وثيق مع مصر في 3 مجالات- صور    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق السبت
إنهم يقتلون البراءة‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 11 - 2012

‏‏ بكت مصر كما لم تبك في عمرها كله‏..‏ فالوجع كل الوجع قد أصاب قلبها وكبدها وأحني ظهرها وأسال دمعها مدرارا‏..‏ وأخرج من خزانة الأحزان‏..‏ كل ما هو أسود وكل ما هو حزين وكل ما هو بالغ الكآبة وشديد القتامة‏..‏ لترتديه الأمهات‏..‏ في يوم الحزن العظيم‏..‏ وهن يودعن أغلي ما في الدور والصدور‏..‏ من حنايا القلوب‏..‏ وقد داس وهرس وقطع ومزق إلي أشلاء أكثر من خمسين طفلا أكبرهم في العاشرة من عمره وأصغرهم في الرابعة واسال دماء البراءة انهارا لا تجف ولن تجف حتي قيام الساعة وانعقاد يوم الحساب قطار أحمق خطاه اسمه الشر والافك والضلالة.. ونحن عنه لاهون مشغولون بألعاب السيرك السياسي.. وأشهرها لعبة الدستور المصون.. من يكتبه ومن يصيغه؟ من يدخل في الطابور ومن يجلس في مقاعد المتفرجين؟.. نطبق الشريعة أم مبادئها؟ تدخل المرأة في عباءته أم تبقي مكنونة في خدرها..
نعمل وننتج ونأكل لقمة عيش من عرق جبينا؟.. أم نفضها سيرة ونبلط في الخط ونعتصم ونضرب عن العمل ونغلق أبواب الرزق بأيدينا ونرفع لافتات الإضراب والاحتجاج, ونمتنع في اضرابنا حتي عن إغاثة المرضي حتي لو كانوا يحتضرون ونطفئ أفران المخابز ونزرع في الحقول حصرما وعلقما ونملأ قلوبنا غلا وحقدا وحسدا مبينا.. ونحرق البلد كلها ونضرب الأمن بالحجارة. ونعود الي نقطة الصفر وما تحت الصفر!
قبل أن تصحو مصر وقعت الواقعة.. والشمس مازالت تحبو وتتسلق فروع الأشجار والجدران في خفر وحياء وتربت في رفق وجوه الصغار لتضنيئها بشرا وحياة وأملا.. وتعطي الضوء الأخضر لساكنات الاعشاش والقلوب من الطيور والعصافير ووديع الحمائم وبديع الهداهد.. للصحيان والطيران والتغريد.. وتعظيم سلام للشمس في يوم جديد.. والتسبيح بحمد الله في علاه.. باعث النور والحياة الذي يجعل الطير تغدو في الصباح خماصا وتعود في المساء بطانا..
......................
......................
.. صحت الأمهات داخل خمسين بيتا كعادتهن كل صباح من بدري.. أيقظن اطفالهن وقالت كل أم لطفلها وهي تهزه في فراشه.. وضوء النهار يادوب يطرق النوافذ ويلقي سلامه وتحيته لأشجار الطريق: يللا ياحبيبي ميعاد المدرسة.. اصحي لأحسن تفوتك عربية المدرسة وياليتها فاتته وفاتت خمسين مثله من ابناء مدرسة منفلوط الأزهرية اصحي يانور عيني!
ويصحو الصغير وهو يفرك عينيه وهو لا يدري أن هذه هي آخر مرة يصحو فيها من نومه.. وأن هذه آخر مرة تحتضنه فيها أمه.. وأن هذه آخر مرة يودعها فيها.. وهو يملأ عينيه منها وهي واقفة متسمرة عند النافذة ترقبه وتطمئن عليه وهو يصعد بقدميه وعلي ظهره حقيبة كتبه إلي عربة المدرسة كما يفعل كل صباح.. وقد اطمأن قلبها أن لفة السندويتشات التي صنعتها بيديها معه في حقيبته بجوار كتب المواد المقررة عليه في ذلك الصباح.. وعندما استقر ولدها في مكانه إلي جوار النافذة.. راح يلوح لها بيديه حتي غاب وغابت العربة عن عينيها عند المنعطف في آخر الشارع.. ولم تكن هي تدري أو حتي يخطر ببالها.. ان هذه هي آخر مرة تصنع له سندويتشات المدرسة وان هذه هي آخر مرة تراه فيها ويراها!
ولكن الذي تذكره جيدا.. ومازالت تحفظه ولن تنساه أبدا.. أن وحيدها قال لها قبل أن ينزل سلالم الدار.. وهو واقف يودعها علي الباب: موش عاوزك تزعلي مني يا امه!
سألته: ليه بتقول كده ياحبة عيني؟
قال لها: أصل أنا ما عملتش الواجب..وممكن فضيلة الأستاذ شيخنا يطلعني بره الفصل!
قالت الأم لمن حولها وهي تجري كالمجنونة عندما جاءها الخبر الحزين: عربية المدرسة دهسها القطر..
أربع كلمات كانها أربع سكاكين تقطع احشاءهما وتذهب بعقلهما.. ولا كلمات علي لسانها وهي تبحث عن بقايا حنايا صدرها بين القضبان عند مزلقان الموت: ياريته ياحبة عيني طلعك بره الفصل.. موش بره الدنيا كلها!
........................
........................
المشهد عند مزلقان الموت.. كما يطلقون عليه الآن.. واللقب من حقه ومن صنعه ومن ميراثه الأليم.. وخلق يسدون عين الشمس.. قطار الشر واقف كالشيطان منكس الرأس ملطخ فاهه بدماء من ابتلع ومزق من فلذات الأكباد.. معترفا بذنبه.. مقرا بخطيئته.. ولكنه لو نطق وقال وحكي لقال انه لا ذنب له ولا جريرة.. الذنب كله ذنب من قاده إلي مذبحة الأطفال والجريرة يتحملها وحده من قاده ولم يوقف اندفاعه.. وترك الموت يحصد في غمضة عين أرواح البراءة!
قال سائق قطار الموت بعد أن دهس البراءة.. ماذا أفعل وقد وجدت أمامي في لحظة أوتوبيس المدرسة يعبر المزلقان المفتوح وأنا قادم بسرعتي العالية.. لو أوقفت القطار مرة واحدة وضغط علي الفرامل بقوة.. لأنقلبت عربات القطار.. وتضاعف عدد المصابين والقتلي من بين الركاب الذين لا ذنب لهم ولا جريرة.. ولكي أمنع هذه الكارثة.. تركت القطار يندفع بسرعته ويدفع معه عربة المدارس لمسافة ثلاثة كيلو مترات.. ولم أكن أعرف أنها عربة مدارس تحمل صغارا لا ذنب لهم!
ويسألون: وأين سائق عربة المدارس الذي قاد عربته بصغارها إلي الموت؟ ألم ير أن المزلقان مغلق أمامه بجنزير؟
والجواب المذهل: بل كان المزلقان مفتوحا.. وسائق عربة المدارس لا ذنب له.. هو الآخر.. لقد وجد المزلقان مفتوحا علي مصراعيه يقول له تفضل: السكة أمان!
ليعبر المزلقان في نفس الوقت والساعة واللحظة الذي اقتحم المشهد المؤلم القطار القادم بكل سرعته ليطيح بعربة المدارس بمن فيها من صغار يغنون وينشدون ويلعبون لمسافة تزيد علي ثلاثة كيلو مترات ليتحول الصغار داخلها في غمضة عين إلي أشلاء ممزقة ودماء وبقايا أجساد مقطعة تنزف وتئن بعد أن كانت تحكي وتغني وتتشاقي وتلعب وتهزر قبل ثوان معدودات!..
...................
...................
من صنع المأساة؟
من قتل البراءة؟
من ألبس السواد كل الأمهات؟
من ارسل خطابات الحزن إلي قلوب اهل مصر كلهم؟
ثم ماذا سنفعل نحن وكلنا مسئول.. عندما يسأل الصغار الأبرياء يوم لا ينفع مال ولا بنون.. يوم الحساب عندما نقف كلنا أمام الديان في يوم البعث العظيم: بأي ذنب قتلنا؟
ماذا سنقول حقا لبديع السماوات والأرض؟
تعالوا نقرأ طالع الحادث ونحاول أن نفهم ونعرف كيف وقعت المأساة؟ ولم؟ وماذا نحن صانعون.
الأمر المؤكد كما تقول دفاتر مذبحة البراءة أن سائق عربة المدرسة وجد أمامه جنزير المزلقان مفتوحا.. فمضي في طريقه في نفس اللحظة التي دخل فيها القطار بسرعته المزلقان: ليقع في لحظات التصادم الدامي المروع!
الأمر المؤكد أيضا أن عامل المزلقان لم يكن موجودا ساعة وقوع الكارثة.. أين ذهب؟ ولماذا اترك المزلقان؟
قالوا: انه ذهب ليطمئن علي جواميسه ومعزاته وغنماته وينقلها من مكان إلي آخر.. وترك المزلقان مفتوحا لمن يعبر.. قطار كان أو حافلة أو حتي حمارا عجوزا يركب فوق ظهره فلاح غارق في همه وغمه!
يعني عامل المزلقان هو السبب.. والغريب والمحزن والمؤلم والمثير لكل أوجاع الدنيا أن جريمة عامل مزلقان المندرة في أسيوط مجرد إهمال في أداء الوظيفة وهي تصنف في قانون العقوبات مجرد جنحة قتل خطأ.. وقد حبسته النيابة علي ذمة التحقيق..
يعني قتل خمسين وإصابة ثلاثة عشر في غمضة عين مجرد قتل خطأ.. العقوبة فيها حسب معلوماتي إن لم أكن مخطئا لا يتجاوز7 سنوات سجن.. وربما اقل!
تماما كما حدث في حادث غرق عبارة السلام قبل سنوات وراح ضحيتها ألف إنسان أكرر ألف إنسان ركبوا باخرة ركاب خربة من بقايا مراكب الحرب العالمية الثانية لتغرق بهم في عرض البحر الأحمر وتلتمهم اسماك القرش في أكبر وجبة آدمية في التاريخ.. وحكمت محكمة سفاجا ايامها علي المتهم الرئيسي ممدوح اسماعيل بالحبس7 سنوات.. اكرر7 سنوات!
وللعلم عمنا ممدوح إسماعيل مازال هاربا بجريمته في لندن ليلحق به أخونا بطرس غالي وزير المالية الأسبق الذي هرب بأموال تأمينات الغلابة بمساعدة أصدقائه من اقطاب الفلول الذين ينامون الآن فوق الأبراش في سجن طرة!
قال محافظ أسيوط: عامل المزلقان كان نائما!
والرئيس محمد مرسي أقال وزير النقل ورئيس هيئة السكة الحديد.. وأحالهما للنائب العام للتحقيق.. ولكن هل هذا هو كل شيء؟
......................
......................
وماذا بعد؟
الاطفال في غزة تقتلهم القدم الهمجية بطائرات ال أف..16 ولا أحد يقول لاسرائيل ثلث الثلاثة.. حتي حامي حمي الحرية في الكرة الارضية اوباما.. ارسل الينا وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون لتقول لنا: اسرائيل معذورة.. انها تدافع عن نفسها!
اما عندنا.. فأطفالنا يقتلهم الاهمال وحده..!
قالت لي أم باكية منتحبة عبر سلك التليفون من منفلوط: ذهبت إلي مزلقان الموت.. لم أجد أبني ولكنني وجدت حذاءه الذي اشتريته له في العيد وها هو قد ذهب من دونه.. وتركه لي ملوثا بدمائه.. واحزنني ياكل أمهات الأرض!
المزيد من مقالات عزت السعدنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.