لاشك أننا نريد أولا نظاما انتخابيا لاتشوبه شبهة عدم الدستورية. ونريد ثانيا نظاما بسيطا يفهمه المواطن العادي , وتلك مسألة جوهرية وليست شكلية; ونريد ثالثا دعم الحياة الحزبية وتقوية الأحزاب, وفي الوقت نفسه لا نرغب في سيطرة الأحزاب علي عملية الترشح وفرض أسماء معينة واستبعاد أخري لأسباب ربما تكون حزبية بالأساس. ونريد رابعا انتخابات نزيهة تنفك فيها عري الروابط العصبية والجهوية والدينية, ويتلاشي فيها نفوذ المال. ونريد خامسا انتخابات تسفرعن برلمان قوي يمارس دوره في التشريع والرقابة, ويتحرر أعضاؤه من أسر تقديم الخدمات لأبناء الدائرة. لاشك أن تحقيق هذه الأهداف يستلزم تطبيق النظامين معا: الفردي والقائمة, ومن ثم كان التفكير في النظام المختلط الذي يضعهما جنبا إلي جنب. هذا التفكير صحيح في مبدأه, لكنه لم يكن صحيحا في تطبيقه; فالنظام المختلط علي هذا النحو لم يكن دستوريا- ولن يكون في ظل أي دستور- لأنه يخل بمبدأ تكافؤ الفرص, كما أنه مربك لكل من المرشح والناخب. وفي تقديري أنه إذا كنا نحتاج خصائص ومعطيات من كلا النظامين فثمة طرق أخري للجمع بين هذه الخصائص وتلك المعطيات في صيغة نظام واحد, وهذا هو المقصود بعملية تصميم النظام الانتخابي, وبناء علي ذلك يمكن اقتراح نموذجين لمثل هذه الصيغة, مع تأكيد- وللأمانة العلمية- أن فكرة النموذج الأول سبقني إليها د. أحمد الجيوشي, وبعض مماورد في النموذج الثاني يرجع الفضل فيه إلي د. عمر أبو ستيت: النموذج الأول: أن يتم الترشح والتصويت بنفس قواعد النظام الفردي, وعلي نفس تقسيم الدوائر الانتخابية التي كانت قبل الثورة, أما حساب الأصوات وتحديد الفائزين فيتم علي مستوي كل محافظة من محافظات الجمهورية, وعلي أساس التمثيل النسبي. في هذه الحالة سوف يتم حساب أصوات كل حزب من الأحزاب, وكذلك حساب أصوات المستقلين باعتبارهم حزبا أوكتلة افتراضية, وفي الوقت نفسه يتم ترتيب المرشحين داخل كل حزب أو كتلة ترتيبا تنازليا بناء علي عدد أصوات كل مرشح. وبعد اجراء القاسم الانتخابي يتم تحديد عدد مقاعد كل حزب أوكتلة, ثم توزيع هذه المقاعد علي الأعضاء بدءا بالأعلي في عدد الأصوات ثم الذي يليه... وهكذا حتي تنفد مقاعد الحزب أو الكتلة. النموذج الثاني: في دوائر معقولة من حيث المساحة وعدد السكان أو الناخبين, ولتكن بضم كل دائرتين أو ثلاث من دوائر النظام السابق علي الثورة, وفي هذه الحالة سوف يكون عدد المقاعد المخصصة للدائرة هو أربعة أو ستة مقاعد, ويتم استخدام نظام القوائم المفتوحة. وأقصد بالقوائم المفتوحة توافر ثلاثة شروط... الشرط الأول هو عدم التقيد من جانب القوائم في الترشح بعدد مقاعد الدائرة; فلكل قائمة الحرية في تقديم عدد من المرشحين بحيث لايزيد علي عدد المقاعد, والحرية هنا تنصرف إلي العدد الأقل; بمعني أنه إذا كان عدد مقاعد الدائرة أربعة فإن القائمة لها الحرية في أن تقدم مرشح واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة. الشرط الثاني هو عدم التقيد في القوائم بأي انتماء حزبي, فيجوز للحزب كما يجوز للكتلة أو الحركة أو المستقلين... يجوز لهم الترشح علي قائمة واحدة, أو الاندماج أو التكتل معا. ولعل هذين الشرطين يتيحان للمستقلين كامل الحق في الترشح, فقد يتجمع المستقلون في قائمة واحدة أو في عدة قوائم بأي عدد مادام أقل من عدد مقاعد الدائرة, وقد يرشح المستقل الفرد نفسه في قائمة. أما الشرط الثالث فهو أن يتم التصويت بشكل فردي, أي أن يصوت الناخب علي أشخاص وليس علي قوائم; فهو ينتقي عددا من الأسماء مساويا لعدد مقاعد الدائرة( أربعة أو ستة في المثال المذكور), وفي هذه الحالة فإن ترتيب الأسماء في القوائم لا قيمة له ولن يسبب مشكلة. ويتم الفرز بتحديد مقاعد كل قائمة بناء علي ما حصلت عليه من أصوات وعلي أساس القاسم الانتخابي, ثم توزع المقاعد بالنسبة لكل قائمة علي أساس الترتيب التنازلي لمرشحي القائمة, فالمقعد الأول لأكبر الأصوات والثاني للذي يليه... وهكذا حتي تنفد مقاعد القائمة. ويجب أن يكون مفهوما أنه لابد أن يكون حجم الدوائر معقولا لسببين: السبب الأول هو عدم إرباك الناخب بالطلب منه التصويت علي عدد كبير من الأسماء. والثاني- وهو الأهم- أن الدوائر المتسعة قد تؤدي إلي تشتت الأصوات بين القوي السياسية بما يعني وصول عدد كبير منها إلي البرلمان فيما يشير إلي غياب الأغلبية التي تضمن الاستقرار. المزيد من مقالات د.صلاح سالم زرنوقة