كنت ضيفة علي أحد البرامج الحوارية وكان الحديث عن تطوير التعليم, وكعادة هذه البرامج تطرق الحوار إلي أحد القضايا الساخنة المطروحة علي الساحة, وهي مشكلة كتاب التربية الوطنية, والحقيقة انني أثرت عدم المشاركة في الحوار الذي دار بين أحد الضيوف وبين مسئول الوزارة في هذا الموضوع, فلم يعجبن التناول السطحي لقضية علي قدر كبير من الأهمية. الموضوع ليس بالبساطة التي يبدو عليها حيث إنه يشير إلي قضيتين في منتهي الأهمية, الأولي تتمثل في الصراعات الفكرية التي يموج بها المجتمع المصري مؤخرا والتي تنعكس بشكل واضح علي العملية التعليمية وهذه قضية في منتهي الخطورة, فمن المعروف أن النظام التعليمي في كل دول العالم له أهداف واضحة وثابتة من حيث المبدأ ولا ترتبط بتغير النظم السياسية إلا في إطار التطوير والإضافة, ومن أهم مبادئ التربية التي تترجم إلي أهداف, توجيه الاتجاهات الفكرية والثقافية لدي الطلاب إلي الوحدة القومية والوطنية وذلك من خلال ترجمة ثقافة وقيم المجتمع بكل أطيافه وتوجهاته إلي سلوك ينشيء عليه أجيال المستقبل, ما يؤدي إلي التماسك والتلاحم بين أفراد المجتمع ولا يجوز أن يتم تغيير الأهداف التربوية طبقا لتوجهات فئة واحدة في المجتمع مهما كان عددها. من هنا تأتي القضية الثانية هي تغير كلمة وطن بكلمة جماعة, القضية ليست قضية تغيير كلمة وإنما القضية تتمثل بتغيير مفهوم والقيم التي يمثلها هذا المفهوم, والقيم ببساطة هي المبادئ التي تحكم ما نفعله وما نتعلمه, والمؤسسات التعليمية منوط بها ترسيخ القيم لدي التلاميذ, وعندما نعود إلي أهداف مادة التربية الوطنية نجد أنها تهدف إلي تنمية قيم الانتماء والولاء لدي الطالب, وهنا تأتي المشكلة هل الانتماء يكون لقيم الجماعة والذي يعني القبيلة العشيرة( كمصطلح في علم الاجتماع) أم لقيم الوطن; هل الانتماء للجماعة أم للأرض؟ والفرق كبير, ودون الخوض في تعريفات أكاديمية يجب الإشارة إلي أن نموذج الجماعة والقبيلة والعشيرة مرتبط بالبيئات غير المستقرة( مثل البيئات الصحراوية) التي تعتمد في وجودها علي التنقل في جماعات وتعمل هذه الجماعات علي تقوية الروابط بينها بحيث تتحول إلي رابطة الدم من خلال التزاوج بين أفراد الجماعة أو القبيلة وذلك كان الانتماء إلي القبيلة, أو الجماعة تمثل القيمة العليا وهي صمام الأمان لهذه الجماعات, أم المناطق التي تتميز بالاستقرار فالأرض هي الأساس وهي التي تجمع الأفراد وتساعدهم علي البقاء, ومن هنا كان الانتماء للأرض وكل من عليها بصرف النظر عن رابطة الدم أو النسب أو الدين, بل الترابط بين أفراد الجماعة يأتي من منطلق وحدة الأرض التي يعيشون عليها,و الانتماء للأرض يمثل القيمة العليا, ووحدة الأرض هنا هي صمام الأمان لهذه المجتمعات. من الثابت أن مصر دولة زراعية منذ آلاف السنين ومستقرة وهذا يعني أن قيم المواطنة التي تعتمد علي وحدة الأرض تمثل القيم العليا بالنسبة للشعب المصري وهذا هو سر بقاء مصر دولة موحدة وعظيمة علي مر العصور, وسوف تظل مصر عظيمة بوحدة أبنائها بكل أطيافهم, ولن نسمح أن يكون هناك مساس بثوابت هذا الوطن. وسوف تظل قيم الانتماء للأرض وقيم المواطنة هي أهم أهداف التربية. خبير أصول التربية المزيد من مقالات د. بثية عبد الرؤوف