ياله من واقع عربي يفقد أعصابه تدريجيا, ويكاد يصل إلي جنوب اليأس, واقع أفرزنه ذهنية مسلوبة عمياء لابصر لها ولابصيرة تلفيقية لاثبات للمنطق فيها حتي بات عالمنا العربي يعيش علي حافة السكين.. بعد عجز النظام العربي وقصوره عن حماية نفسه, وتحصين مجتمعاته من التفكك والانهيار, والنظام الليبيي وتسمح لنا هذه المقالة بل تفرض علينا, أن نبحث أبعاد وتداعيات هذه القضية, من خلال وضعها وضعا يجعلها جزءا من التاريخ. ومن هذه الزاوية نجد أنفسنا لانستطيع أن نتجنب الاستنتاج القائل. بأن المراكمة لعناصر أخرجتها عصور مختلفة وثقافات متباينة, دون أن تكون بين وحداتها رابطة طبيعية أو جدلية, قد أخرجت عالما عربيا, رأسه فيما يعتور عالمنا العربي الآن من ثورات, تعصف بالأنظمة العربية الواحد تلو الآخر. وقدماه في فترة الحرب العالمية الأولي.نموذجا. فإذا ما ألقينا نظرة فاحصة علي الثورررة العربية, التي كانت تستهدف تحقيق الوحدة العربية عن طريق الانفصال عن الدولة العثمانية سنجد أن الاستعمار الغربي قد تدخل مؤيدا الفكرة لتحقيق أغراضه بالطبع, لذلك فإن افتاقية سايكس بيكو في يناير1916, ووعد بلفور1917, ومراسلات الشريف حسين مع مكماهون, قد أسفرت جميعها عن الوقوع في قبضة الاستعمار الغربي والتمهيد لتنفيذ وعد بلفور. واستناداي لما يقوله المهتمون بالتاريخ والسياسة والاجتماع في الشرق العربي, إن هذا الشرق, قد تبني في حقبة مابعد الاستقلال في اعقاب الحرب العالمية الثانية, نموذج الدولة الحديثة بشكلها وحدودها ومؤسساتها وبعض آلياتها, لكن الرياح أتت بما لاتشتهي سفن هذه الدول. وذلك ان السياسة العربية فيما بعد, قد تمركزت في خمسة محاور: التبعية من جانب. والجمود, وعدم الادراك من جانب آخر. وعدم القدرة علي العمل الجماعي من جانب ثالث, ثم عزل الشعب العربي من المشاركة في صياغة مصيرة من جانب رابع, وأخيرا تمحور الأنظمة العربية علي استبقاء مراكزها وسلطاتها علي حساب اي اعتبار اخر, كما حدث في سورية بالفعل, ثم شرعت أنظمة اخري تعد العدة للتوريث كمصر وليبيا واليمن وغيرها. والواضح هنا ودون الالتجاء الي الاسهاب في الأدلة, أنه من خلال هذه المعطيات وبها ارادت بعض النخب الحاكمة, أن تتدرج في عملية التحديث, متجاوزة الأشكال التقليدية للاجتماع السياسي, وفي مقدمتها وأهمها القبيلة لكن بعد مرور عقود طويلة علي تأسيس الدولة الحديثة في الشرق العربي, أثبتت القبيلة أنها عصية علي الاقتلاع, وأنها مازالت حجر الأساس في كثير من البلدان, ذلك انها لم تختف من المسرح السياسي العربي, رغم مابدا من غياب أو تغييب لها, لقد كانت القبيلة دوما هناك في خلفية المسرح تلعب أدوارا مركزية في السياسة والسلطة ويشهد اليوم صعودا متميزا للقبيلة وموضعا جديدا لها في قلب المجتمع وقلب السلطة وللتمثيل علي وجهة النظر أو الفرضية هذه نذكر أنه بعد قرن من المخاض الذي شهده المشرق العربي, ومامر علي المنطقة تيارات وأوضاع ومتغيرات سياسية واجتماعية وأيديولوجية أخففت الدولة القومية الحديثة في خلق بديل عن القبيلة وما تمثله من قيم تقليدية في الانتماء والعصبية والتضامن, ونسيج اجتماعي كثيف وفضاء للحراك والتفاعل الاجتماعي. وهي الأوساط التي لايستطيع الفرد أن يعيش او يتفاعل خارجها مجردا من معني الهوية وقاعدة الاسناد, فأساس البناء الاجتماعي الذي تستند اليه الدولة الحديثة هو مبدأ المواطنة. الذي يفترض فيه ان يقيم هوية وانتماء وطنيا, يعلو علي ماسواه من انتماءات جهوية أو اثنية أو ثقافية أو غيرها, لكن الرياح أتت بما لم تشته سفن الشعوب العربية, إذ أن الانفراد بالسلطة وكذلك بالثروة, ناهيك عن الاستبداد وممارسة الانتهاكات في حق الشعوب واضطهاد الاقليات التي جاءت بها الدولة الشمولية المتسلطة الحديثة, بدد أي أوهام حول ان يسود مفهوم المواطنة بديلا عن غيره من الانتماءات, أو ان تصبح الدولة الحديثة هي القاسم المشترك الذي يجمع الاثنيات والهويات المختلفة, وجدير بنا في هذه المسألة بالذات, الا نسقط من حسابنا عنصرين آخرين, أولهما ان دعاة القومية العربية, قد جانبهم التوفيق في توضيح اهدافهم وتوحيد صفوفهم, واكتفوا بالشعارات الطنانة والسفسطة الفارغة, وهكذا بات الفكر القومي متراوحا في مكانه يدور علي ذاته في حلقة مغرغة, ومايقال عن القوميين, يشبه شيئا من قبيلة فيما يقال عن: اليساريين والبعثيين والناصريين وغيرهم من التيارات والأحزاب العربية. أما العنصر الآخر, فيتمثل في أنه بعد سنوات من التصارع مع الأنظمة, جنحت إلي السلم أغلب حركات الإسلام السياسي التي كان هدفها الوصول الي السلطة في الدولة القومية, فبعضها أقصي والبعض الآخر أصبح طيفا في لعبة الديمقراطية في هذا البلد او ذلك, والأنكي من ذلك كله هو انهيار الامن القومي العربي, وقد ظهرت بواكير انهياره مع الحرب الباردة العربية التي بدأت في مطلع الستينيات من القرن الماضي مع الثورة اليمنية, ونستطيع ان نتجاوز هنا عن تفاصيلها, ومايهمنا انها افضت الي هزيمة يونيو1967, لتصدع الكثير من أركان هذا الأمن إذ كانت إدانة لأسلوب كامل من الحياة, وإشارة الي تغيير المحتوي السياسي والفكري في المجتمع العربي, وقد فقد هذذا الأمن بمفهومه ومبادئه وبنيته ومؤسساته منذ نشوب أزمة حرب الخليج الثانية عام1990, تحت تأثير ثلاثة انهيارات: أولها أن السلاح العربي لايشهر قط في وجه الشقيق( وقد شهر) وثانيها ان الأمن القومي ينبع من المنطقة العربية ويبني بالامكانات العربية( وماحدث غير ذلك) وثالثها ان العرب يتحملون وحدهم مسئولية أمنهم وسلامة أوطانهم( وما وقع غير ذلك) وكان من نتيجة ذلك ان انكشف الأمن القومي علي امتداد الوطن العربي وأصابة الدمار حتي لم يبق منه الاعلي اطلال. ومن خلال هذه المعطيات وبها, لم يبق من ملاذ للأفراد والجماعات أمام انهيار النظام العربي الحديث الا العودة الي اكناف القبيلة او العشيرة او العائلة, وما توفره هذه الكيانات من حماية وعصبية وانتماء فحيثما تقوي السلطة المركزية تضعف القبيلة, والعكس صحيح, حيث يصبح الرجوع الي العصبية القبلية هو الملاذ الذي يلجأ إليه كل من يحس بالظلم والتهميش والافتقاد, وهذا بدوره جدير بأن يفسر لنا ماكان يحدث في شبه جزيرة سيناء قبل ثورة25 يناير. وقد تسارعت وتيرته بعد قيام هذه الثورة ويفسر لنا ايضا المد الثوري في اليمن, اثر تأييد بعض زعامات قبائل حاشد وبكيل وسفيان للمتظاهرين ضد نظام عبدالله صالح وكانت في الماضي من أهم دعائم نظامه لحوالي اربعين عاما مضت, ويمكننا ان نذكر في هذا السياق, أن انضمام قبيلتي بني صخر والحويطات الي المعارضة في الأردن, سيؤدي بالملك الأردني الي إعادة حساباته, لاسيما أنهما كانتا من أهم دعائم النظام الأردني.. وهاهي الأسرة الملكية في السعودية, تبذل جهودها في سبيل استرضاء شيوخ القبائل في ارجاء المملكة, وبعض اعيان الشيعة في المنطقة الشرقية لاحتواء تظاهرات الغضب. أما جماهيرية القهر, فقد أقيمت منذ البدء علي اساس قبائلي بغيض, ملؤه المحاباة انتهاجا لمبدأ فرق تسد ذلك ان انقلاب القذافي عام1969, قد اطاح هيمنة قبائل الساحل الشرقي ومركزه بنغازي( مركز ملكية السنوسية) ورجح كفة قبائل الغرب والداخل الليبي في الحكم وفازت قبيلة القذافي( القذاذفة) بالنصيب الأوفر( ثروة وتسليحا) ويمكننا أن نذكر في هذا السياق, أنه علي رغم ان نظام القذافي يزعم مناهضة العصبية القبلية, كان بقاؤه رهن تحالف هش بين القبائل الثلاث الرئيسية( القذادفة والورفلة والمقارحة) وكانت ورفلة اول من اعلن التأييد للمناوئين لنظام القذافي, ومن المتوقع ان تتخلي المقارحة عن القذافي, بعد ان اعدم12 ضابطا من ابنائها, رفضوا الولوغ في دماء ابناء شعبهم, حتي قبيلة القذاذفة نفسها تتباين ولاءات ابنائها بين مؤيد للقذافي ومعارض له, وبقي ان نعرف ايضا, ان من القبائل التي أعلنت البراءة من القذافي والانضواء في صفوف الثائرين قبائل اولاد علي وترهونة والزاوية والزنتان وبني وليد وأولاد سليمان والعبيدات والفرجان وغيرها. ومما له دلالة علي خروج هذا المحتوه عن كل منطق, فشله في كسب ولاءات القبائل الليبية, بينما نجح في كسب ولاء بعض القبائل الافريقية التي تدين بأديان غير الاسلام. والأنكي من ذلك ان يجلب عشرات الآلاف منهم كمرتزقة, كان لهم الدور البارز في الولوغ في دماء ابناء جماهيريته, التي لم يمل من التكرار في خطاباته الاخيرة بالتهديد في جعلها جماهيرية بلا جماهير. رئيس مركز التراث الفلسطيني