لا أدري سببا واقعيا لحالة الارتباك والتردد التي تعيشها حكومة د. هشام قنديل, فالرجل كان وزيرا في حكومة سابقة , أي أنه لديه خبرة حتي وإن كانت محدودة, والحكومة هي الحكومة التي يدعمها الرئيس محمد مرسي وحزبه الحرية والعدالة, وهو الذي قام بتشكيلها, وليست كحكومة الجنزوري التي كانت دائمة الصدام مع الحزب الحاكم. ورغم كل ذلك فإن الحكومة تبدو مرتبكة وضعيفة ومرتعشة, وانعكس ذلك علي الأداء الحكومي في مجالات مختلفة, إلا أن أبرز مظاهر الارتباك والتردد ظهرت واضحة جلية في التعامل مع أزمة سيناء وقضية غلق المحال. قد تبدو قضية غلق المحال قضية سهلة وأخذت أكبر من حجمها بكثير, إلا أنها نموذج للقرارات غير المدروسة, وعودة للقرارات العشوائية التي كانت تصدر ثم يتم تجميدها أو الالتفاف حولها لتفقد معناها. مبدئيا أؤيد تماما قرار غلق المحال في العاشرة مساء, والمطاعم والكافيتريات في الثانية عشرة, ويمكن زيادتها ساعة في الصيف, وهو قرار معمول به في معظم دول العالم المتقدم, وقد كنت ذات مرة في زيارة لألمانيا, وفي تمام الساعة الثامنة كانت المحال تغلق أبوابها, وهكذا الحال في دول عديدة, ولم يثبت أن ذلك ضار بالاقتصاد أو المبيعات أو تأثرت السياحة أو غيرها. صحيح أن الظروف الحالية التي تمر بها مصر ظروف استثنائية, ومن الممكن تفهم مطالب الغرف التجارية في تلك الظروف, لكن ليس معني ذلك أن القرار خاطئ, بل هو قرار صحيح تماما, فلا يصح أن يتحول الليل إلي نهار, وأن تعمل البائعات في المحال إلي ما بعد منتصف الليل في ظروف قهرية وغير إنسانية, بالإضافة إلي الضغط علي الكهرباء والمواصلات طوال هذه الساعات. مشكلة القرار أنه صدر دون دراسة كافية, وكان لابد من الاجتماع أولا بالغرف التجارية والأحزاب السياسية لمناقشة هذا القرار قبل اتخاذه, لأن عصر اتخاذ القرارات الحكومية أحادية الجانب لابد أن ينتهي إلي غير رجعة, ولابد أن تعي الحكومة أن مصر الجديدة مختلفة, والقرارات فيها يجب أن تسير في مسارات متعددة قبل اتخاذها, وفي هذه الحالة يمكن تنفيذها وسريانها بدلا من اتخاذ القرارات ثم التراجع عنها في مظهر يؤكد ضعف الحكومة وارتباكها. القضية الأخطر في تصوري هي ملف سيناء وما يحدث فيها الآن من فوضي وفلتان أمني غير مسبوق, فالضحايا الآن هم رجال الأمن, والمجرمون هم أصحاب الصوت العالي واليد الطولي ينفذون ما يحلو لهم من هجمات علي الأقسام ونقاط التفتيش, وكأنهم أصبحوا هم المسيطرين علي مقاليد الأمور هناك, وبدلا من ضبطهم ومحاسبة المخطئ منهم بالقانون, تبدلت الصورة, وأصبحنا لا نسمع إلا عن الهجمات علي الأقسام ونقاط التفتيش والدوريات الأمنية في تحد سافر لهيبة الدولة والقانون؟! ماذا يحدث في سيناء بالضبط؟, ولماذا تزايدت أعمال العنف هناك؟, وما علاقة أهالي سيناء بذلك؟, وهل هناك مجموعات إرهابية وتكفيرية باتت منتشرة في الجبال والمغارات هناك؟ أم أن الأمر يتعلق بحالة احتقان وغضب من بعض القبائل والأفراد؟! ملف سيناء يستدعي توحيد الصفوف لمعالجته, وعدم الاعتماد علي المعالجة الأمنية وحدها, وأقترح مشاركة الأحزاب والهيئات المختلفة بما فيها الأزهر في وضع الحلول, فالمراجعات الفكرية والدينية مطلوبة, وقوافل التوعية جزء من الحل, وأعتقد أن قرارات الحكومة الخاصة بتملك الأراضي في سيناء تدخل في إطار البحث عن حلول لنقاط الاحتقان بين الأهالي. مطلوب حزمة من الإجراءات يتم إطلاقها دفعة واحدة وعلي مسارات متوازية سواء ما يتعلق بشق المشكلات اليومية والحياتية لأهالي سيناء, أو ما يتعلق بشق المراجعات الفكرية والدينية, وأخيرا الردع الأمني والمعالجة القانونية لهذا الملف الشائك, في ملف سيناء أيضا لابد من البحث عن إسرائيل ودور أجهزتها المخابراتية فيما يحدث هناك. يجب إعطاء الحكومة فرصة زمنية لا تزيد علي ستة أشهر للانتهاء من ملف سيناء أمنيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وعلي جميع الأصعدة, وإذا فشلت فعليها أن ترحل فورا دون نقاش. علي د. هشام قنديل تكرار تجربة د. محمد مرسي التي بدأها منذ أسبوعين باللقاء مع كل القوي الوطنية والسياسية لمعالجة أزمة الدستور والأزمات الساخنة الأخري, وأن يكون هذا هو نهج الحكومة في دراسة المشكلات وحلها بدلا من العشوائية والتردد والارتباك المسيطر عليها الآن. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة