إذا حالفك الحظ لزيارة زيمبابوي إحدي عرائس القارة السمراء فعليك بالتجول بين أحيائها وضواحيها والتعرف علي شعبها الطيب المكافح الذي لايزال يحتفظ بنقاء القلب الممزوج بالوجوه الصبورة البشوشة بالرغم من المعاناة التي عاشها تحت وطأة الاستعمار البريطاني ومازال يعانيها حتي الآن من تدهور اقتصادي بعد الاستقلال, وأرضها البكر التي تفتقر إلي الزراعة تلونها خضرة الحشائش المزدهرة بألوان الورود المختلفة, حتي الأحياء الفقيرة التي يكسوها الفقر المدقع ينتشر بها ألوان البضائع البسيطة والمختلفة وكأن الأرض والشعب اتفقا معا علي ألا يستسلما مهما تكن الأوضاع. وبينما أنت تتجول هنا وهناك للبحث عن مصدر الطاقة و البهجة الخفي تأتي إليك الإجابة علي وجه كل امرأة و في عزيمة كل رجل لتقول ابحث عن المرأة.... امرأة زيمبابوي التي استطاعت عبر السنين أن تثبت أنها حقا المرأة الحديدية, فقد عاشت المرأة حياة مضطربة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا منذ أن كانت زيمبابوي روديسيا سابقا جزء من المستعمرة البريطانية التي أخذت ما بها من خيرات وحولتها لسلة خبز للمجتمع الأوروبي ولمن حولها من جيرانها الأفارقة, وبات كل يوم أصعب من ذي قبل بعد أن أعلن أيان سميث زعيم الأقلية البيضاء انفصال روديسيا عن بريطانيا عام1965, ولان سياسة سميث العنصرية أثارت غضب المجتمع الدولي فقد أعلنت دول عديدة مقاطعة روديسيا اقتصاديا وفرضت هيئة الأممالمتحدة المقاطعة الاقتصادية علي الحكومة مما أدي إلي تفاقم الأحوال الاقتصادية في البلاد إلي أن نالت روديسيا استقلالها تحت حكم الأغلبية الأفريقية, وعرفت بجمهورية زيمبابوي بزعامة روبرت موجابي عام.1980 كان من المتوقع أن تعيش البلاد حالة من الانتعاش الاقتصادي والسياسي بعد الاستقلال, إلا أن القرار الذي اتخذه موجابي بالتخلص من المزارعين البيض وتوزيع الأراضي علي أصحابها الأفارقة قد أدي إلي مغادرة أغلب المستثمرين والتجار البيض و نزوح أكثر من أربعة آلاف منهم للدول المجاورة بعد فرض الحصار الاقتصادي علي البلاد مما أدي إلي تفشي الفقر وزيادة البطالة والتضخم. وبين استعمار وحصار وحرب واستقلال كان لامرأة زيمبابوي دور كبير وفعال في النضال مع الرجل في كل وقت, وعلي الرغم من عدم المساواة بينهم في كثير من الحقوق كالتعليم والأجور وفرص العمل, إلا أن أحلامها الوردية جعلت من كل هذه الظروف دافعا قويا للنهوض والتفوق, فباتت تزرع قدميها في كل مزرعة ومصنع وبكل مجال وسوق, وبدأت في تثقيف نفسها والسعي وراء تعليم البنات مع البنين رافعة شعار إن التعليم هو السلاح الوحيد الذي تملكه النساء لمكافحة الفقر والجوع والإذلال. ويوما بعد يوم باتت تتسلح المرأة بسلاح جديد, فشاركت بكل ما تملك من أسلحة في عملية استقلال البلد, وكانت الأم والأخت التي ترعي الصغار وتحثهم علي الدراسة حتي في وقت الحرب, وكانت الزوجة التي تدعم زوجها, وكانت أيضا مثل أي جندي شجاع داخل ساحات المعركة تتدرب علي فنون القتال المختلفة وتحارب بجانب الرجل. وعند زيارتي لنصب الجندي المجهول بالعاصمة هراري الذي شيدته الحكومة عام1981 أحياء لذكري الذين لقوا حتفهم في حرب التحرير حيث يضم النصب رفات86 محاربا ومحاربة, شاهدت هناك صور المرأة الحديدية الي جانب الرجل بكل المواقع إلي أن وصلا معا لطريق النصر. أقيم النصب علي شكل تمثال برونزي لسلاح يحمل ثلاثة من الجنود رجلين وامرأة وكأن هؤلاء هم رمز للطلقات التي أهلكت العدو. لم يتوقف دور المرأة عند مرحلة التحرير فحسب بل استطاعت بعد كل هذا العناء الطويل أن تكون عنصرا هاما في تنمية المجتمع المدني و الوطني, فأصبحت تشغل أعلي المناصب الحكومية وغير الحكومية, وكان لي الحظ في مقابلة بعض هذه الرموز النسائية, ومن بينهم مدام بكوشو امرأة تتمتع بروح المرح, وجهها المنهك لا يعرف سوي الابتسامة وهي تتحدث معي عن قصة مثابرتها ونجاحها بالعمل في أحدي المنظمات غير الحكومية وكيف تساهم في مشروع اجتماعي كبير يعمل علي دعم النساء, الكل يعمل بنظام مثل خلية النحل, النساء التي تجيد الأعمال اليدوية يعملن من داخل المنزل وبعد هذه المرحلة تقوم الأخريات بعملية تسويق المنتجات بالمعارض والمحلات.وعن وضع المرأة في الآونة الأخيرة تحدثت قائلة: لقد تغيرت المرأة كثيرا عن الأعوام الماضية, وأصبح لها دور هام في بناء المجتمع والارتقاء بالمستوي الاجتماعي والاقتصادي لأسرتها والبلد. وقد أصبح للكثيرات مشروعاتهن الخاصة, مثل ألس همبورا و فلورنيسي فكلتاهما تعملان في صناعة الحلي, الأولي خرجت للعمل حتي تستطيع أن تشتري ما يلزم عائلتها من احتياجات بعد أن أصبح الرجل أقل مسئولية,. أما فلورنيسي فتري أن الرجل و المرأة يعملان معا من أجل زيادة الدخل والارتقاء بمستوي المعيشة ومن ثم إعادة النمو الاقتصادي واعمار البلد بعد الاستقلال. وعن صورة المرأة الافريقية في الخارج وما هو الدور التي تلعبه امرأة زيمبابوي للظهور بشكل مشرف تقول فلورنيسي مثلي مثل الكثيرات من السيدات نقوم بترويج منتجاتنا في الخارج, ونحاول أن نكون سفراء مشرفين لبلادنا والقارة كلها. المرأة هنا قادرة علي تحويل الرمال إلي ذهب خالص خال من الشوائب هكذا بدأت صاحبة مطعم جاروند أو التمساح كلامها بكل قوة, وبعد هذه الجملة التي أثارت فضولي قالت لا تتعجبي فالمرأة هنا حديدية لا تعرف المستحيل فهي تمتلك الكثير من المواهب والقدرات لفعل أي شيء, المشكلة الوحيدة التي يمكن أن تقابل الكثير من السيدات هنا هي التمويل المادي, حين تتوافر المادة تصبح المرأة قادرة علي قيادة أي مشروع بشكل ناجح.و من الأشياء اللافتة للنظر مشاركة امرأة زيمبابوي داخل الحكومة والجيش لا فرق بينها وبين الرجل, تقول باشينسي أول قائدة لسيارة إسعاف إنها تشعر بالفخر والاستمتاع لكونها أول امرأة تنضم لمثل هذا العمل الهام والفعال بالمجتمع, و تري أن هذا المجال ليس حكرا علي الرجال خاصة أن المرأة هنا أصبحت أكثر ثقافة وقدرة من قبل. وبكل ثقة قالت لقد نجحت في أن أكون أول قائدة إسعاف ولن أفشل في عملي و في حث الكثيرات للانضمام إلي هذه المهنة النبيلة. العجيب أنه عند انتهاء رحلتي أدركت أنني لم أكن أبحث عن المرأة, لأنها كانت متواجدة في كل مكان و زمان تفرض نفسها وبقوة في كل المجالات بعد أن أيقنت أن العمل الشاق والإيمان بالنفس وبالقدرة هما الأساس في تحقيق أحلامها الوردية حتي وإن بدت مستحيلة.