قبل أسبوع واحد فقط من إجراء الانتخابات العامة في زيمبابوي لم يتردد الرئيس موجابي لحظة في التعبير عن طموحاته في الاستمرار علي مقعد الرئاسة الذي ظل يشغله علي مدي21 عاما متوعدا المعارضة بأنه طالما هو علي قيد الحياة فإنها لن تصل يوما للحكم' ولكن من أين له بهذه الثقة بينما البلاد تعاني منذ8 أعوام أزمة اقتصادية رهيبة وصلت خلالها معدلات التضخم السنوي الي مائة ألف في المائة وكيف تحول هذا الرجل علي مدي السنوات من مناضل قاد حركة التحرير ضد الاستعمار الي ديكتاتور يحكم البلاد بالحديد والنار ويصر علي الاستمرار في الحكم رغم كل المؤشرات علي فوز منافسه الرئيسي. يرجع البعض هذا التمسك بالبقاء في الحكم الي خوف موجابي من أن يلقي نفس مصير موبوتو أو شارل تيلور, فالأول باعتباره الديكتاتور السابق لزائير يعيش هائما في العالم من غربه لشرقه فارا من سمعته التي تسبقه أينما كان, أما الثاني فيقف أمام المحكمة الدولية باعتباره الرئيس الدموي الذي أغرق ليبيريا في بحر من الدم. هذا الهاجس بات الشغل الشاغل لموجابي, ومن هنا فان قراره ترك السلطة لم يعد خيارا قد يلجأ إليه إلا في حالة الضرورة القصوي خوفا مما قد يترتب عليه من تعرضه للمساءلة القانونية. ولعل هذا ما يفسر عدم الإفصاح حتي الآن عن نتائج الانتخابات الرئاسية. ففي حالة إعلان فوز مرشح المعارضة فان البلاد قد تقع فريسة لأعمال عنف من جانب مؤيدي موجابي خاصة الذين استفادوا من وجوده في السلطة لتحقيق الثراء الفاحش علي حساب الشعب, أو الذين نابهم نصيب من قراراته الإصلاحية لتمليك الاراضي الزراعية للسود بعد انتزاعها من ايدي ملاكها البيض. أما في حالة إعلان إجراء جولة ثانية للانتخابات يشارك فيها موجابي فان المعارضة تخشي من قيام الرئيس بحملة انتقام واسعة ضد معارضيه لضمان الفوز في هذه الجولة.اي ان البلاد مهددة بالخطر سواء فاز مرشح المعارضة أو أجريت جولة ثانية للانتخابات فالرئاسة بالنسبة لموجابي هي قضية حياة أو موت. علي أية حال فان الرئيس موجابي الذي يطلقون عليه عميد الزعماء الأفارقة يبدو مختلفا عنهم بعض الشيء. فحياته تعد سلسلة من المراحل المتناقضة بعضها مع البعض وعلي خلاف غيره من الرؤساء المستبدين الذين عرفتهم أفريقيا في عهود ما بعد الاستقلال ينفرد موجابي بشخصية قد تبدو شديدة التعقيد فهذا الرجل الذي يتمتع بدرجة كبيرة من الثقافة لا يتورع اليوم في كيل السباب واللعنات الي زعماء أوروبا ومنافسيه السياسيين, هو نفسه الرجل الذي اكتسب في فترة النضال من اجل الاستقلال شعبية لا تقل عن تلك التي يتمتع بها نيلسون مانديلا وبعد ان كان حامل راية المصالحة مع البيض والدعوة الي بقائهم في مزارعهم ليتولوا إدارة عجلة الاقتصاد, قام هو نفسه مؤخرا بانتزاع الآلاف من الاراضي من ملاكها الأصليين لتمليكها الي رجاله ومعاونيه لضمان ولائهم تحت حجة ان الأرض يجب ان تكون ملكا لمن يزرعها بصرف النظر عن قدرتهم علي إدارة هذه المزارع بصورة تكفل للبلاد الابقاء علي شهرتها السابقة كسلة غذاء أفريقيا. ولكن الصمت علي النتائج لم يكن من الممكن ان يستمر أكثر من ذلك فقد خرج زعيم المعارضة مورجان تشانجراي أخيرا عن صمته و اعلن فوزه في انتخابات الرئاسة التي شهدتها زيمبابوي في التاسع والعشرين من شهر مارس الماضي في نفس الوقت الذي تقدم بشكوي قضائية امام المحكمة الدستورية لالزام اللجنة الانتخابية بالاعلان الفوري عن نتائج الانتخابات..' لقد فزنا بالانتخابات وليس هناك أية ضرورة لجولة ثانية'هكذا أكد رئيس الحركة من اجل التغيير الديمقراطي حقه في الرئاسة لأول مرة منذ إجراء الانتخابات وكان الرئيس موجابي قد حذر منافسه في عشية الانتخابات من إعلان نفسه رئيسا قبل إعلان نتائج الانتخابات رسميا باعتبار ان مثل هذه الخطوة ستعتبر من جانبه بمثابة انقلاب علي الدولة. الغريب حقا ان كل ذلك يحدث في الوقت الذي مازالت فيه اللجنة المكلفة بالإشراف علي الانتخابات تلتزم الصمت في حين أنها كانت قد أصدرت بيانا رسميا حول نتائج الانتخابات التشريعية التي انتهت بفوز المعارضة بالأغلبية في مجلس النواب في الوقت الذي تقاسمت فيه المعارضة مع الحزب الحاكم مقاعد مجلس الشيوخ الستين بواقع ثلاثين مقعدا لكل منهما. وفي الوقت الذي يدعو فيه تشانجراي الرئيس موجابي للحوار معه من اجل ضمان عملية انتقال السلطة بصورة سلمية وديمقراطية باعتبار ان فوزه بات أمرا مسلما يرفض الرئيس موجابي أية دعوة لاقتسام السلطة مع المعارضة'نحن لا نستطيع ان نعمل مع المعارضة لان أهدافنا السياسية, وأمالنا مختلفة تماما مثل الليل والنهار وسيكون الحال كما لو كنا نخلط الماء بالنار' هذا ما أكده وزير العدل عن حزب زانو شارحا الوضع بان حزبه يأمل في الدفاع عن سيادة زيمبابوي, اما الحركة من اجل التغيير الديمقراطي فتريد ان تتخلي عن سيادة البلاد لكي تصبح من جديد مستعمرة تحت الحماية البريطانية. الواقع ان تدخل الدول الغربية فيما يحدث في زيمبابوي يلقي بظلال الشك عن حقيقة نوايا كل من المعارضة والحزب الحاكم ففي الوقت الذي تحذر فيه الحكومة من مغبة التغيير علي مستقبل استقلال زيمبابوي يحذر تشانجراي المجتمع الدولي من الحزب الحاكم' زانو' متهما إياه بالسعي في الوقت الحالي لشن حرب ضد الشعب الزيمبابوي كما كان الحال في عام2000 عندما رفض الشعب في استفتاء للرأي مشروع الدستور الجديد الذي أعده موجابي, فقام مؤيدو حزب زانو باقتحام مزارع البيض متهمين إياهم يحث العمال علي التصويت ضد النظام وهي المواجهة التي انتهت بمقتل العشرات من الأشخاص. فهل يتكرر السيناريو وتصدق توقعات موجابي وتتحول أمال المعارضة ورغبة المواطنين للتغيير الي كابوس يغرق البلاد في بحر من الدماء أم تنجح المعارضة في إقرار مبدأ الديمقراطية وتداول السلطة؟ تساؤل الأيام المقبلة وحدها تملك الإجابة عليه.