منذ 1980 والديكتاتور روبرت موجابى يحكم زيمبابوى بقبضة حديدية، حتى 1987 كرئيس للوزراء ثم كرئيس للدولة، لا ينحى ولا يتنحى إلى اليوم. والحصيلة هى مجتمع مدمر يعانى مواطنوه من معدلات فقر وبطالة تتجاوز الثمانين بالمائة، ونسب تضخم تصل إلى 10000 بالمائة، الأمر الذى دفع المؤسسات الدولية مؤخراً إلى التوقف عن رصدها، وتصفية دموية مستمرة للمعارضين وللصحفيين المستقلين لم تتوقف على الرغم من نداءات الأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والأفريقية المتكررة. فموجابى يحكم بأدواته القمعية ومؤسساته الأمنية، ومواطنوه فى جحيم لا يملكون ذاتياً السبيل إلى تغييره. كارثية حكم الديكتاتور موجابى توشك أن تتحول إلى إبادة جماعية للمجتمع مع تفشى وباء الكوليرا خلال الأشهر القليلة الماضية. وفقاً لبيانات الأممالمتحدة ومنظمة الصحة العالمية فقد 746 من الزيمبابويين حياتهم نتيجة الإصابة بالفيروس الفتاك، وارتفع عدد حالات الإصابة المؤكدة إلى 16 ألفاً، مع توقع أن يصل العدد إلى ما يقرب من 60 ألف حالة خلال الأسابيع المقبلة مع توالى الكشف عن إصابات جديدة. وعوضاً عن تصد جاد للوباء الذى بات يهدد الدول المجاورة – بالأمس أعلنت دولة جنوب أفريقيا المنطقة الحدودية بينها وبين زيمبابوى منطقة كوارث تحسباً لتفشى الكوليرا – وطلب مساعدة المنظمات الدولية والإقليمية لمواجهة أسبابه، وأهمها المياه الملوثة التى يشربها المواطنون، أوعز الديكتاتور إلى بوق نظامه الشمولى ووزير إعلامه باتهام دول الغرب بالتآمر على بلاده والتسبب فى الكوليرا بهدف الإطاحة بالرئيس صاحب المواقف الوطنية المشهودة والمعادية للمصالح الغربية. أعزائى القراء، بالله عليكم، أهناك ما يفوق مثل هذا العبث رداءةً وقسوةً؟ شعب تتهدده الإبادة، والحاكم والطغمة المتحلقة به لا يعنيهم سوى دفع المسؤولية عنهم وتحميلها لآخر متآمر ليس له أن يكون إلا غربياً بحكم الذاكرة الجمعية للماضى الاستعمارى والخطاب الديماجوجى الملتبس بشعارات يسارية لنظام موجابى منذ استقلال زيمبابوى فى ثمانينيات القرن المنصرم. نحن إذاً أمام مشهد مأساوى ليس بجديد تصل به الديكتاتورية إلى نهايتها القصوى المتمثلة فى تدمير وإبادة شعب الديكتاتور، تماماً كما رتبت فى الماضى ديكتاتورية النازى فى ألمانيا والنظام الإمبراطورى اليابانى دمار المجتمعين مع انتهاء الحرب العالمية الثانية. والسؤال المطروح اليوم هو: هل يُترك موجابى فى الحكم ليستمر فى إبادة شعبه، أم أن تدخلاً خارجياً ما لعزله أضحى مطلوباً لوضع حد للمأساة؟ دون تردد أقول أن التدخل الخارجى يمثل الفرصة الحقيقية الوحيدة لإنقاذ زيمبابوى، ومنح مواطنين سامهم الديكتاتور كل صنوف العذاب الأمل فى غد أفضل. المخزى هنا هو أن الاتحاد الأفريقى، منظمة القارة الإقليمية الطامحة وفقاً لنظامها الأساسى أن تستنسخ تجربة الاتحاد الأوروبى أفريقياً، تحمى موجابى وترفض، بتوافق رؤساء دولها، التدخل سوى بوساطات جزئية لا تقدم ولا تؤخر. من المشروع إذاً وحالة العجز الإقليمى هذه بادية، وتوقع تغيرها فى القريب العاجل ليس بواقعى، أن تسعى الولاياتالمتحدة وبريطانيا من خلال الأممالمتحدة إلى المطالبة بتدخل دولى لعزل الديكتاتور. أما الدفع بسيادة دولة زيمبابوى وحتمية حماية استقلالها فلا يعدو أن يكون إلا حكماً على شعب بالفناء، ودفاعاً عن نظام فاشل لا شرعية لبقائه.