كل عام ونحن جميعا بخير وسلامة وعافية وقوة، تملأنا الثقة فى عناية السماء وفى إنتصار الحق والخير والأمانة على الفساد والطغيان وروح الشر. وباختصار كل عام وروح أكتوبر بخير. تأتى تلك الأيام الذكرى السعيدة رقم 39 للعبور العظيم. ففى الثانية من ظهر يوم 6 أكتوبر 1973 الموافق ليوم 10 رمضان عبرت القوات المصرية قناة السويس لتحرير سيناء. عبرت القوات المصرية بشكل مفاجئ تحت شمس الظهيرة أمام عدسات مناظير المراقبة الإسرائيلية، وأمام أحدث أجهزة الرادار الأمريكية المتطورة التى تستخدمها إسرائيل، وتحت سمع وبصر الأقمار الصناعية الأمريكية والسوفيتية التى كانت تمسح كل شبر فى المنطقة، وتحت سمع وبصر كافة شبكات التجسس الإسرائيلية ومحللين أجهزة مخابراتها ومخابرات الدول المتحالفة معها.. وكان النصر لمصر. فمنذ 39 عاما عبر خيرة شباب مصر ورجالها حواجز اليأس والمهانة والإذلال والخوف والتردى القيمى نحو المجد والعزة والكرامة متشحين بالإيمان والعلم والتفكير المنطقى السليم ليبهروا العالم ويبثوا الرعب والهلع فى قلب أعداء النور وأهل الظلام زراع اليأس والرذيلة. فمنذ 39 عام عبرت القوات المصرية قناة السويس فى طريقها نحو تحرير سيناء من الإحتلال الإسرائيلى. ولم يكن العبور عملا عسكريا محضا كما قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى ولكنه كان عبور بأمة وشعوب، فقدت ثقتها بالنفس عقب سنوات طويلة، من ظلمات اليأس والضياع إلى نور الحقيقة والإنجاز والثقة بالنفس. فأثناء عمليات القتال، التى خاضها الجيش المصرى ببسالة وبراعة وكفاءة، كان كل فرد من أبناء الشعب المصرى بل والشعوب العربية يخوض هو أيضا حربه ومعركته الخاصة ضد كل الشرور التى أحاطت بروحه على مدى السنوات والعقود السابقة. لقد نفضت الأمة الهزيمة ونفضت الأرواح إنكساراتها ويأسها. فجأة تراجعت معدلات الجريمة وتعاون الجميع ولم يشكو أحد نقص مورد من الموارد أو إنقطاع خدمة من الخدمات، فقد تجمعت الأرواح والإرادات جميعها حول أمل وهدف واحد هو.. النصر. وبالفعل فقد إنتصر الجميع كل على شروره ومخاوفه وأشباح ضياعه ويأسه. ويبدو أننا فى مصر لم نكن وحدنا الذى خاض معركته ضد شرور نفسه. فقد خاضتها معنا شعوب كثيرة فى أفريقيا وآسيا وفى كافة أركان الأرض ممن شعروا بحتمية تغلب الخير على الشر وتغلب الحق على الباطل وتغلب الضحية المسالمة على المعتدى الأثيم. فقبل إنتهاء الحرب وقبل أن تظهر نتائجها النهائية كانت دول كثيرة بل وشعوب بعض الدول التى كانت متحالفة مع إسرائيل تبدى سعادتها وتعاونها ورغبة فى القيام بشئ ما لمساندة العرب أصحاب الحق. ويكفى أن يشار إلى قطع أكثر من 29 دولة أفريقية لعلاقتها مع إسرائيل قبل وفور إندلاع الحرب. وقيام دولة بعيدة مثل كوريا بتأييد الحق العربى. لقد كانت بالفعل أيام حاسمة ظهر فيها معدن الحق والمدافعين عنه. ومنذ أيام قليلة نشر مقال عن حرب أكتوبر 1973 لموشيه آرينز 87عام ليتوانى الأصل ووزير الخارجية الإسرائيلى السابق خلال الأعوام من 1988 وحتى 1990 ووزير الدفاع 1990 وحتى 1992 فى عام 1999أيضا، وسفير إسرائيل السابق لدى الولاياتالمتحدة وعضو الكنيست الإسرائيلى عن حزب الليكود وهو خريج معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا "إم.أى.تى"، قال فيه: "فى مثل هذا الوقت من كل عام ومع حلول يوم كيبور (عيد الغفران عند اليهود) نتجه بفكرنا نحو حرب يوم كيبور (حرب أكتوبر التى بدأت يوم عيد الغفران) حيث صدمة البداية وقوائم الضحايا المتنامية والهزائم المبكرة وعبور القناة... وأخطاء قادتنا والثمن الفادح الذى كان علينا دفعه مقابل تلك الأخطاء". ما أحوجنا اليوم فى مصر الثورة إلى إستعادة روح أكتوبر من الماضى لننتصر فى الحاضر والمستقبل. المزيد من مقالات طارق الشيخ