يكمن مفتاح تدبير الموارد اللازمة لإقامة العدل في مصر في إيقاف أنماط الإنفاق العام وقرارات الحكم التسلطي التي تحرف استغلال موارد البلد وتخصيصها. عن غاية إقامة العدل, وإعادتها إلي الغاية الأصيلة للحكم, أي منع الظلم وإقامة العدل, دونما حاجة إلي الاقتراض من الخارج, ناهيك عن الاستجداء المخزي. ونقدم فيما يلي مجموعة من المقترحات المحددة التي تكفل تدبير موارد بديلة للاستجداء والاستدانة, وتمثل في حد ذاتها مداخل لإقامة العدل ولضمان حكم مؤسسي صالح في الوقت نفسه; أولا إيقاف جميع أشكال الترف والبذخ في الإنفاق العام, مثل التبذير في شراء السيارات الفارهة الحديثة, ليس فقط للوزراء, بل لمساعديهم ومستشاريهم, وحتي لقوات الأمن; وعلي تجديد القصور الرئاسية, بدلا من العمل علي بيعها أو تحويلها لمتاحف تدعم السياحة وتدر دخلا لتدبير موارد إضافية لخزينة الدولة التي أفرغها سوء الحكم, وإيقاف التمويل الباذخ لفرق كرة القدم التي تمولها الوزارات والقوات المسلحة والشرطة, والتي يجب بيعها إن وجدت مشتريا وإلا فلتتوقف. وتوجيه كل الموارد التي تتوافر من ترشيد الإنفاق لصندوق التنمية الاقتصاد إنتاجيا ولإقامة العدالة الاجتماعية عبر سبل شفافة, ميسرة وفعالة. ثانيا التقييد التدريجي للحج والعمرة بحيث يتحقق شرط العزيز الحكيم: لمن استطاع إليه سبيلا, وليكن مرة في العمر. وقد يندهش البعض من معرفة أن تخفيض عدد الحجاج والمعتمرين إلي النصف يمكن أن يوفر للدولة والمجتمع قرابة ملياري دولار سنويا يراق ماء وجه مصر والمصريين لاستجدائها ممن قد لا يستأهلون سؤالهم. فضلا عن إلغاء مجلس الشوري الذي لم يخدم غرضا مفيدا, اللهم منح الحصانة البرلمانية لمحاسيب السلطة, وبعضهم كانوا من عتاة المجرمين, وتوجيه ميزانيته التي تبلغ مليارات لدعم الاقتصاد ولإقامة العدل. ولو كان هذا القرار اتخذ, باستشارة الشعب قبل شهور, كما طالب كثرة من النخبة, لتوافر لخزانة الدولة المليار الذي أنفقته علي انتخابات مجلس الشوري. ثالثا قبل الاقتراض والاستجداء من الخارج, علي رئاسة الإخوان وحكومتها, ومجلس الشعب, مطالبة كبار أثرياء مصر وعلي رأسهم قادة القوات المسلحة ورؤساء مشروعاتها الذين يتحكمون بقرابة نصف الاقتصاد المصري, وكبار الموظفين في البلد في القطاعين العام والخاص, وجماعات الإخوان المسلمين والسلفيين المتمولين بسخاء, والفنانين والإعلاميين ولاعبي الكرة ومدربيها, أصحاب الرواتب المليونية, بالتبرع أو تقديم قروض حسنة, أي دون فوائد, لخزانة الدولة الخاضعة لرقابة مجلس الشعب. هذا ما يجب أن يكون معيار الوطنية الآن, ما دام الوطن في ضائقة. رابعا وضع حد أقصي للدخل (مجمل لأجور والرواتب والبدلات) لجميع العاملين بأجهزة الدولة شاملا القوات المسلحة والأمن بحيث لا يتعدي 15 20 مثلا من الحد الأدني للأجر, كما هو الحال في جميع الدول الرأسمالية المتقدمة. كما أن إنهاء عوار الصناديق الخاصة التي كانت, وما زالت, مرتعا للفساد, وإعمال مبادئ الرقابة, والمساءلة, ضمانا للنزاهة علي جميع الموارد العامة والإنفاق منها. إلغاء أي أثر باق لبدلات ومكافآت الولاء سيئة الصيت والتي يقدر البعض أنها كانت ترفع تكلفة موكب واحد لرأس الحكم المخلوع داخل القاهرة الكبري إلي خمسة عشر مليون جنيه, تزيد إلي أكثر من الضعف لو انتقل جنابه إلي خارج القاهرة داخل الجمهورية, وتظهر أهمية هذا البند في عودة مواكب وإجراءات تأمين الرئيس الحالي علي سابق عهدها أيام الطاغية خامسا خفض عدد العاملين بأجهزة الأمن إلي النصف أو أقل, بإعادة هيكلة أجهزة الأمن لتصبح أقل عددا ولكن أعلي كفاءة في صيانة أمن المواطنين وحقوقهم, تحت الإشراف الكامل للقضاء المستقل تماما, مع إتاحة التدريب التحويلي الملائم لتوظيف من يرغب, ويصلح منهم, بمجالات التعليم والرعاية الصحية والأمان الاجتماعي. وإجراء خفض مواز لمخصصات أجهزة الأمن لمصلحة زيادة مخصصات التعليم والرعاية الصحية والأمان الاجتماعي. ولا يجب التعلل بأن هذا الخفض في المال والرجال سينتقص من الأمن في البلد. فالإسراف في الإنفاق والرجال والعتاد لا يحقق الان أمنا تاما كما يعلم الجميع, ولا يمنع أحداث عنف أو إرهابا للمواطنين. سادسا إصلاح الهيكل الضريبي بإعطاء الأولوية للضرائب المباشرة علي الدخل والإثراء (أي الأرباح الرأسمالية أساسا) والعودة إلي نظام معدلات الضرائب التصاعدية, حسب شرائح الدخل والثروة, وتكثيف الجهد لتحقيق الانضباط الضريبي خاصة بين كبار الممولين. وكذلك وقف وهب الغاز والبترول المصري للعدو الإسرائيلي بأسعار متدنية. بالإضافة إلي استعادة مشروعات القطاع العام التي بيعت بخسا وإفسادا, للملكية العامة, مع تعويض أصحابها الحاليين عما دفعوه في شرائها فقط, وليس قيمتها السوقية الحالية, وتبني سبل توسيع قاعدة ملكية الشعب لهذه المشروعات, وتخصيص قسم من أرباحها لصندوق تنشيط الاقتصاد وإقامة العدل. ومصادرة الثروات التي استلبها أصحابها, بطرق غير مشروعة أو غير أخلاقية- مثل عمولات توريد السلاح وإرساء المناقصات العامة والمضاربة في الأراضي والبورصة وأرباح الاتجار في المخدرات والتهرب الضريبي, خاصة بإساءة استغلال النفوذ والحظوة من السلطة والثروة, وتخصيصها لصندوق تنشيط الاقتصاد وإقامة العدل. ونتمني مخلصين ألا يهاجم أحد هذه المقترحات, إن قرأوها, علي أنها لا تناسب العصر, أو تخيف رأس المال. فلا رأس المال الذي دللتموه حتي الإفساد جلب علي البلد خيراته الموعودة من نمو ضخم أو فرص عمل جيدة كثيرة أو تحسين معيشة عامة المصريين, وإنما ركز, كما نعلم الآن يقينا, علي نهب ثروات البلد والجري وراء الربح الضخم والسريع والتسلق علي السلطة بينما إستشرت بين المصريين سوءات البطالة والفقر, خاصة بين شباب العامة. ونرجو أن تكونوا قد فهمتم, علي الرغم من كل الاستكبار والتظاهر الأجوف, أن نمط الرأسمالية البربرية, المنفلتة والاحتكارية, الذي أطلقه نظام حكم الرئيس المخلوع علي مصر والمصريين, في سياق الحكم التسلطي القمعي, ومازلتم تبقون عليه حرصا علي مصالح أهل الحظوة, هو من أهم أسباب استشراء الفقر والظلم, وأحد دوافع انطلاق شرارة ثورة شعب مصر وفي النهاية, نتمني مخلصين أن تكون سلطة الإسلام السياسي الراهنة معنا, علي اقتناع أكيد بأن قيم العدل والمساواة هي من أسمي ما تنزع إليه المجتمعات البشرية المتحضرة, حتي في ظل التنظيم الرأسمالي السليم. وهي بلا أدني شك في صميم صحيح الإسلام. ومن يصر علي الاقتراض والاستجداء مهملا البدائل الخيرة المشار إليها أعلاه, فليس إلا كارها للعدالة الاجتماعية أوعاملا علي تبعية مصر لمقرضيها والمحسنين لها, أو كليهما. المزيد من مقالات د . نادر فرجانى