نشرت الأهرام في24 أغسطس المنصرم المسودة الأخيرة لنظام الحكم في الدستور الجديد , التي وإن أظهرت تطورا عما كان عليه دستور1971, فإن بعض ما ورد في مقترح المادة الثانية من ذلك الباب قد ينتقص من الحريات وتكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين, حيث اشترطت المادة المقترحة فيمن ينتخب لرئاسة الجمهورية ألا يكون قد حمل جنسية دولة أخري وهو نص مجحف باعتقادي للأسباب التالية: أولا: أن بعض الدول تمنح جنسياتها استنادا إلي ما يعرف بحق الميلاد, ومثال ذلك الأشهر الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يكتسب المولود علي أرضها جنسيتها, فضلا عن مواطنيها المولودين علي غير أراضيها. وبناء عليه, فهل يعقل أن يمنع مواطن من ممارسة حق سياسي لمجرد أن والديه قد سعيا لإكسابه جنسية أجنبية بغية حصوله من جهة علي فرص أفضل في الصحة والتعليم والعمل والسكن, توفر في الجهة المقابلة فرصا لمواطن آخر داخل مصر؟! وإذا سلمنا فرضا بأن حمل جنسية أجنبية جريرة لا تجيز الترشح للرئاسة, فهل من العدل أن يعاقب المرء علي ذنب لم يقترفه؟ ثانيا: رفضت الديمقراطيات الحديثة قيود نقاء العرق, ونصبت الولاياتالمتحدة رئيسا لأب كيني( باراك أوباما), وكذلك فعلت فرنسا مع ابن مهاجر مجري( نيكولا ساركوزي), وكندا مع لاجئة من هاييتي( ميكايل جان) والأرجنتين مع محام سوري( كارلوس منعم). ولم يؤد ذلك مثلا إلي بروز دور لوبي كيني في الولاياتالمتحدة, ولا اختراق المجر للأمن القومي الفرنسي, ولا تزايد موجات الهجرة غير الشرعية من هاييتي إلي كندا, ولا حصانة السوريين من القضاء الأرجنتيني! هذا ما كان مع مهاجرين أصبحوا قادة للدول التي هاجروا إليها, فما بالنا بمواطنين يمنعون من رئاسة وطنهم لمجرد أنهم قد حملوا جنسية أخري! ثالثا: حتي في الدول الصغيرة والناشئة حديثا, وتلك التي تستشعر تهديدا دائما لأمنها القومي, فلم يفاقم تولي مواطنين منحدرين من أصول دول أخري من تهديدات الأمن القومي. فلم نعرف مثلا نفوذا للعراق علي إسرائيل لتولي إسرائيلي من أصل عراقي( بنيامين بن إليعازر) لمنصب وزير الدفاع الإسرائيلي, ولم نسمع عن هيمنة مغربية علي الدبلوماسية الإسرائيلية لمجرد أن شلومو بن عامي تولي حقيبة الخارجية لبعض الوقت! رابعا: يكرس النص المقترح النزعة اليمينية في الممارسة السياسية, ويوجد حالة من الزينوفوبيا( كراهية الأجانب) دخيلة علي المجتمع المصري بطبيعته التعددية المتسامحة واعتماده علي السياحة كأحد أهم موارده الاقتصادية, ويعيد إلي الأذهان قوانين العرق التي سنها هتلر في ألمانيا النازية قبيل الحرب العالمية الثانية. خامسا: إذا كان المنطق السياسي والتجربة التاريخية في العالم المتمدن قد انتهيا إلي ربط المواطنة والحقوق السياسية بالتجنيد وأداء الخدمة العسكرية, فإن أبسط قواعد حقوق الإنسان تقتضي تمتعه بكامل حقوقه السياسية في الدولة التي تقدم ليبذل دمه في سبيلها. ومن ثم يفند أداء الخدمة العسكرية مفهوم ازدواج الولاء, ويدحض النص المقترح من الأساس, وبالتالي فلا يجوز في مصر التي تشهد في هذه اللحظة تجنيد مصريين حاملي جنسيات دول أخري في قواتها المسلحة أن يمنع هؤلاء لاحقا من حقهم الوطني في الترشح لرئاسة الجمهورية. سادسا: كان الأحري بدلا من تضمين نقاء الجنسية كشرط للترشح لرئاسة الجمهورية أن يتم النص علي حد أدني من التعليم لا يقل بحال عن الشهادة الجامعية, وعدد معين من سنوات الخبرة في العمل العام, سياسيا كان أو أكاديميا أو نقابيا أو في المجتمع المدني أو الوظائف السيادية علي سبيل المثال. وبناء علي ما تقدم, فثمة ثلاث مقاربات لتجاوز هذه الإشكالية: الأولي: الإبقاء علي النص المقترح للمادة الثانية في باب نظام الحكم كما هو, مع تضمين الدستور نصا يحظر التجنيد بالقوات المسلحة علي مزدوجي الجنسية, وهو ما يعد تفرقة بين المواطنين. الثانية: إلغاء ما يتعلق بحمل جنسية دولة أخري في هذا النص المقترح تماما, شريطة النص علي تقدم المرشح لرئاسة الجمهورية بما يفيد أداءه للخدمة العسكرية أو إعفاءه منها لسبب غير متعلق بالإضرار بالأمن القومي. الثالثة: قد يكون الحل الوسط في إلغاء ما يتعلق بحمل جنسية دولة أخري في مقترح المادة الثانية, مع النص بدلا من ذلك في المادة الثامنة من ذات الباب علي ألا يقسم رئيس الجمهورية اليمين الدستورية لمباشرة مهام منصبه قبل أن تنفصم الصلة القانونية المترتبة علي الجنسية بينه وبين أي دولة أخري, وهو ما يعني وجوب قيام الرئيس المنتخب بعد إعلان نتيجة الانتخابات وقبل تسلمه الحكم بالتنازل عن جنسيته غير المصرية كما يتخلي عن منصبه الحزبي وإعلان السلطات المختصة في دولة هذه الجنسية رسميا صيرورته من غير مواطنيها, علي أن يعفي من هذا الشرط من أدي الخدمة العسكرية بالقوات المسلحة المصرية. في المقابل, فقد يكون الأولي وضع ضوابط عامة لمنح وإسقاط الجنسية المصرية, تحقق الهدف المنشود من حماية الأمن القومي والحفاظ علي النظام العام, وتحول دون التفرقة في الحقوق السياسية بين المصريين. واستنادا إلي ما هو ثابت في الهوية المصرية ومرشح للاستمرار في دستور الجمهورية الثانية من أن الشعب المصري جزء من الأمة العربية يسعي إلي وحدتها الشاملة, فقد يكون مناسبا إسقاط الجنسية المصرية عن مواطني أي دولة غير عربية تحتل أراضي دولة عربية مجاورة لها, وهو ما ينطبق علي كل من إسرائيل التي ما زالت تحتل أراضي عربية بفلسطين وسورية ولبنان, وإسبانيا التي تحتل مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين, وإيران التي تحتل الجزر الإماراتية الثلاث, ويشمل ذلك الحظر بالضرورة المولودين لأمهات إسرائيليات وآباء مصريين. ويعد ذلك الإجراء المقترح تدبيرا وقتيا, يمكن تعديله أو إلغاؤه حال زوال مسببه بأن يتم تحرير كامل الأراضي العربية المحتلة.